للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيح (١) «أن الرؤيا قد تكون حقاً وهي المعدودة من النبوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون من حديث النفس» ، والتمييز مشكل، ومع ذلك فالغالب أن تكون على خلاف الظاهر حتى في رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قص من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة، ولهذه الأمور اتفق أهل العلم أن الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة كما ثبت عن ابن عباس أنه كان يقول بمتعة الحج لثبوتها عنده بالكتاب والسنة، فرأى بعض أصحابه رؤيا توافق ذلك فاستبشر ابن عباس.

هذا حال الرؤيا فقس عليه حال الكشف إن كان في معناها. فأما إن كان دونها فالأمر أوضح، وتجد في كلام المتصوفة أن الكشف قد يكون حقاً، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون تخيلاً موافقاً لحديث النفس، وصرحوا بأنه كثيراً ما يكشف للجل بما يوافق رأيه حقاً كان أو باطلاً، ولهذا تجد في المتصوفة من ينتسب إلى أهل الحديث ويزعم أنه يكشف له بصحة مذهبه، وهكذا تجد فيهم الأشعري والمعتزلي والمتفلسف وغيرهم، وكل يزعم أنه يكشف له بصحة مذهبه، ومخالفه منهم لا يكذبه ولكنه يكذب كشفه، وقد يكشف لأحدهم بما يوافق الفرقة التي ينتسب إليها، وإن لم يكن قد عرف تلك المقالات من قبل، كأنه لحسن ظنه بهم وحرصه على موافقتهم إنما تتجه همته إليهم فيقرأ أفكارهم وترتسم في مخيلته أحوالهم.

فالكشف إذن تبع للهوى، فغايته أن يؤيد الهوى ويرسخه في النفس ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار، فكان الساعي في أن يحصل له الكشف، إنما


(١) قلت: المراد بـ (الصحيح) عند الإطلاق أحد (الصحيحين) ، وعلى هذا الاصطلاح جرى المصنف فيما سبق، وهذا أن معناه أن الحديث عند أحدهما، وليس كذلك، فأما أنه وهم في عزوه لـ (الصحيح) ، أو أنه تسامح في التعبير، يعني أنه «وفي الحديث الصحيح» وليس في «الجامع الصحيح» ، وإنما أخرجه الترمذي وابن ماجة. ن

<<  <   >  >>