للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فتارة يقولان: عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة. وتارة: عن سالم أبي النضر بدل سعيد بن الحارث، ويقرن مع ابن حنين بسر بن سعيد وتارة يجعل مكانهما أبا الحباب سعيد بن يسار، وهذا كله من فوائد أبي نصر رحمه الله في هذا الجزء من " الأمالي ". حيث حفظ لنا فيه ما ينير السبيل على البحث في حال هذا الحديث. وأما إسناد حديث شداد فلم أقف عليه لننظر فيه، وغالب الظن أن فيه علة تقدح في صحته. والله أعلم. ومما يوهن من شأن هذا الحديث أنه صح عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى. رواه البخاري (١ / ٤٦٦ بفتح الباري طبع بولاق) وترجم له بـ " باب الاستلقاء في المسجد " ثم روى عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر وعثمان يفعلان ذلك، فلوكان الاستلقاء المذكور لا ينبغي لأحد من خلقه سبحانه كما زعم الحديث لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه من بعده، كما لا يخفى. ولا يعارض هذا ثبوت النهي عن الاستلقاء في صحيح مسلم (٦ / ١٥٤) وغيره لأنه غير معلل بهذه العلة المذكورة في هذا الحديث المنكر، وللعلماء مذهبان في الجمع بين هذا النهي وبين فعله صلى الله عليه وسلم المخالف للنهي:

الأول: ادعاء نسخ النهي.

الثاني: حمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك (١) وفي كل من المذهبين إشارة إلى رد هذا الحديث،

فإنه لا يتمشى معهما البتة، أما على المذهب الأول فلأن الحديث صريح في أن الاستلقاء المذكور فيه من خصوصيات الله عز وجل فكيف يجوز ذلك؟! وأما على المذهب الثاني فلأنه صريح في أن العلة عنده هو انكشاف العورة أو عدم انكشافها، فلو كان يصح عنده أن العلة كون الاستلقاء من خصوصياته سبحانه لم يجز التعليل

بغيرها وهذا ظاهر لا يخفى أيضا. وجملة القول إن هذا الحديث منكر جدا عندي، ولقد قف شعري منه حين وقفت عليه، ولم أجد الآن من تكلم عليه من الأئمة النقاد غير أن الحافظ الذهبي أورده في ترجمة " فليح "، كأنه يشير بذلك إلى أنه مما أنكر عليه كما هي عادته في " ميزانه ". والله أعلم.

ثم وجدت في بعض الآثار ما يشهد لكون الحديث من الإسرائيليات، فروى الطحاوي في " شرح المعاني " (٢ / ٣٦١) بسند حسن أنه قيل للحسن (وهو البصري) : قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى؟ فقال: ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود ". ثم رأيت البيهقي سبقني إلى الكلام على الحديث بنحو ما ظهر لي، فقال في " الأسماء والصفات " (ص ٣٥٥) بعد أن ساقه من طريق إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح:

" فهذا حديث منكر، ولم أكتبه إلا من هذا الوجه، وفليح بن سليمان مع كونه من شرط البخاري ومسلم، فلم يخرجا حديثه هذا في " الصحيح "، وهو عند بعض الحفاظ غير محتج به ".


(١) وهذا هو الذي رجحه الحافظ في " الفتح ". اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>