للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أخرجه أحمد (٦٣٢٨) بإسناد صحيح.

إذا عرف هذا فهذه الروايات والطرق الصحيحة عن ابن عمر رضي الله عنه تدل على بطلان هذا الحديث من وجوه:

الأول ما أشار إليه الحاكم والبيهقي من مخالفة راويه عن مالك لجميع من رواه عنه من الثقات على خلاف هذا الحديث وإثبات الرفع الذي نفاه، لاسيما وقد بلغ عددهم مبلغ التواتر كما سبق، ومخالفة الفرد لأقل منهم بكثير يجعل حديثه شاذ مردودا عند أهل العلم، فكيف وهم جمع غفير؟ !

الثاني: أن مالكا رحمه الله لوكان عنده علم بهذا الحديث المنسوب إليه لرواه في كتابه " الموطأ " وعمل به، وكل من الأمرين منفي، أما الأول، فلما سبق بيانه أنه روى فيه الحديث المخالف له بسنده هذا. والآخر أنه عمل بخلافه، وقال بمشروعية الرفع بعد الرفع في تكبيرة الإحرام كما حكاه عنه الترمذي في " سننه " (٢ / ٣٧) ولم يحك عنه خلافه، ونقل الخطابي والقرطبي أنه آخر قولي مالك وأصححها كما في " الفتح " (٢ / ١٧٤) .

الثالث: أن ابن عمر رضي الله عنه كان يحافظ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: على الرفع المذكور كما سبق ذلك عنه صريحا، فلوكان هذا الحديث ثابتا عنه لما رفع وهو من أحرص أصحابه صلى الله عليه وسلم على اتباعه كما هو معلوم، كيف لا وقد صح عنه أنه كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى! أخرجه البخاري في " رفع اليدين " (ص ٨) وعبد الله بن الإمام أحمد في " مسائله عن أبيه " والدارقطني (١٠٨) بسند صحيح عنه (١) .

الرابع: أن الذي روى هذا الحديث عن ابن عمر إنما هو سالم ابنه - فيما زعموا - ومن الثابت عنه أنه كان يرفع يديه أيضا كما حكاه الترمذي أيضا عنه، وسبق ذلك في بعض الروايات عنه - فلوكان هذا الحديث مما رواه عن أبيه حقا لم خالفه أصلا، كما هو ظاهر. فدل ذلك كله على صحة قول الحاكم والبيهقي في الحديث: إنه باطل، وأن قول الشيخ النعماني: " فهذا الحديث عندي صحيح لا محالة " محال!

ومما سبق تعلم بطلان قول الشيخ المذكور عقب جملته المذكورة: " وغاية ما يقال فيه: أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم حينا يرفع، فأخبر عن تلك الحالة، وأحيانا لا يرفع، وأخبر عن تلك الحالة، وليس في كل من حديثه ما يفيد الدوام والاستمرار على شيء معين منهما، ولفظ: " كان " لا يفيد الدوام إلا على سبيل الغالب ".

قلت: وهذا الجمع بين الروايتين، باطل أيضا، لأن الشرط في الجمع إنما هو ثبوت الروايتين، أما وإحداهما صحيحة، والأخرى باطلة، فلا يجوز الجمع حينئذ، وكيف يعقل أن الراوي الواحد يقول مرة: كان لا يرفع، وأخرى: كان يرفع، ولا يجمع هو نفسه بينهما في عبارة


(١) وأما ما رواه الطحاوي (١ / ١٣٣) من طريق بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة، فهو شاذ أيضا للخلاف المعروف في أبي بكر بن عياش. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>