للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: في حديث الحكم بن حزن المتقدم أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة متوكئا على عصا أو قوس، وقد ذكروا في ترجمته أنه أسلم عام الفتح، أي سنة ثمان، وأن المنبر عمل به سنة سبع فتكون خطبته صلى الله عليه وسلم المذكورة على المنبر، ضرورة أنه رآه يخطب بعد أن اتخذ له المنبر، وهذا ظاهر مع تذكر أنه لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة في غير مسجده صلى الله عليه وسلم.

قلت: الاستنتاج صحيح لوأن المتقدمين المذكورين ثابتان، وليس كذلك، أما الأولى: وهي أن الحكم أسلم عام الفتح، فهذا لم أر من ذكره ممن ألف في تراحم الصحابة وغيرهم، وإنما ذكره الصنعاني في " سبل السلام " (٢ / ٦٥) عند الكلام على حديثه المتقدم، فقال: " قال ابن عبد البر: إنه أسلم عام الفتح، وقيل: يوم اليمامة، وأبوه حزن بن أبي وهب المخزومي ".

وقد رجعت إلى كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر، فلم أره ذكر ذلك. ثم عدت إلى الكتب الأخرى مثل " أسد الغابة " لابن الأثير و" تجريده " للذهبي، و" الإصابة " و" تهذيب التهذيب " للعسقلاني، فلم أجدهم زادوا على ما في " الاستيعاب "! فلو كان لذلك أصل عند ابن عبد البر لما خفي عليهم جميعا، ولما أغفلوه، لاسيما، وترجمته عندهم جرداء ليس فيها إلا أنه روى هذا الحديث الواحد! (١) ثم إن في حديثه ما قد يمكن أن يؤخذ منه أن إسلامه قد كان متقدما على عام الفتح فإنه قال: " وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فقلنا: يا رسول الله زرنالك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا، أو أمر لنا بشيء من التمر، والشأن إذا ذاك دون، فأقمنا أياما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.... " الحديث. فقوله: " والشأن إذا ذاك دون " يشعر بأنه قدم عليه صلى الله عليه وسلم والزمان زمان فقر وضيق في العيش، وليس هذا الوصف بالذي

ينطبق على زمان فتح مكة كما هو ظاهر، فإنه زمن فتح ونصر وخيرات وبركات، فالذي يبدو لي أنه أسلم في أو ائل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، والله أعلم.

وقول الصنعاني: " وأبوه حزن بن أبي وهب المخزومي خطأ آخر، لا أدري كيف وقع له هذا والذي قبله فإن حزن بن أبي وهب مخزومي وليس كلفيا، وهو سعيد بن المسيب بن حزن. وأما المقدمة الأخرى وهي أن المنبر عمل به صلى الله عليه وسلم سنة سبع، فهذا مما لا أعلم عليه دليلا إلا جزم ابن سعد بذلك، ولكن الحافظ ابن حجر لم يسلم به ونظر فيه لأمرين، أصححهما أنه خلاف ما دل عليه حديث ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: بلى، فاتخذ له منبرا مرقاتين ".


(١) ثم إنه كلفي، نسبة إلى كلفة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، فليس مخزوميا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>