للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الكلام يقال في لفظ "أيدينا" مع قوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (صّ: من الآية٧٥) وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (المائدة: من الآية٦٤) ، فإن صيغة المضاف إليه هناك صيغة جمع بخلاف صيغة المضاف إليه في بقية الآيات، فجاء على لفظ المضاف إليه.

ومما يوضح الأمر في ذلك أن من لغة العرب الظاهرة التي نزل بها القرآن استعمال لفظ الجمع في موضع التثنية في المضاف إذا كان متصلا بالمضاف إليه، والمعنى ظاهر، كقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا} (التحريم: من الآية٤) ، وليس لكل منهما إلا قلب، فالمعنى قلباكما، لكن النطق بلفظ الجمع أسهل، والمعنى معروف أنه ليس لكل منهما إلا قلب، وكذلك قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: من الآية٣٨) والمعنى فاقطعوا أيمانهما، إذ لا يقطع من كل واحد إلا يده اليمنى، لكن وضع الجمع موضع التثنية لسهولة الخطاب وظهور المراد ...

وإذا كان كذلك قيل: لفظ (أعيننا) ولفظ (أيدينا) مع كون المضاف إليه ضمير جمع أولى بالحسن مما إذا كان المضاف ضمير تثنية، فإذا كان من لغتهم ترك استحسان "قلباكما" و"يديهما" فلأن يكون في لغتهم ترك استحسان "بعيننا" أو"بعيننا"، ومما عملت يدنا، أو يدانا أولى وأحرى ... " (١) .

ثم إن شيخ الإسلام بين أن التثنية وردت في القرآن في صفة اليدين بشكل صريح لا يحتمل المجاز مطلقا، وهو قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} (صّ: من الآية٧٥) فدلالة هذه الآية على الصفة أصرح من دلالة الآية الأخرى وهي قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} (يّس: من الآية٧١) وقد عقد مقارنة بين الآيتين، بين فيها - من وجوه عديدة - أنه لا يصح تأويل آية سورة "ص" بحال (٢) .


(١) نقض التأسيس - مخطوط - (٣/١٦-١٩) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٣/٢٠-٢٢) ، وانظر أيضاً: التدمرية (ص:٧٣-٧٦) ، والرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز - مجموع الفتاوى - (٦/٣٦٢-٣٧٢٩) ، ودرء التعارض (٧/٢٦٧) ، والرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى - (٦/٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>