للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنوا بمثل هذه الأمور فبنوا الأضرحة وضخموها وعظموها ودعوا الناس لزيارتها ودعائها حتى صارت هذه المشاهد تعظم وتزار ويبذل لها أكثر من زيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج.

والنصارى- بوثنيتهم وتقديسهم للصور والتماثيل والقبور- لهم أثرهم على من يلقونه من جهال المسلمين ممن يخالطهم ويسمع كلامهم، ولذلك لما ظهرت دولة العبيديين في مصر قدم النصارى إلى الشام واستوطنوا ثغوره وأمصاره. وهكذا تلتقي هذه الطوائف الثلاث: النصارى، والرافضة والمتصوفة، في هذا الإنحراف الخطير المتمثل في أنواع من الشرك بالله - بمظاهره العديدة التي لا تزال أكثر أقطار العالم الإسلامي تعاني منه ومن آثاره (١) .

جاء عهد المماليك وكثير من هذه المشاهد والأضرحة موجودة، قبور بني عبيد، وقبر الشافعي، وقبر الحسن- الذي بناه بنو عبيد- وغيرها، فلم يحرك السلاطين ساكنا، بل الأمر على العكس أخذوا يبنون لأنفسهم ولأقاربهم الأضرحة والقبب وتفننوا فيها بحيث جعلوا عليها مساجد ومدارس، يأتيها العلماء وطلاب العلم وتلقى فيها الدروس المنتظمة، وأوقفوا عليها الأوقاف الكثيرة، فالظاهر بيبرس [توفي سنة ٦٧٦ هـ] بنى على قبر أبى عبيدة- رضى الله عنه - مشهدا، وجدد قبة الخليل عليه السلام، كما وسع مشهد جعفر الطيار، وعمر تربة لزوجته (٢) ، والمنصور قلاوون- ت ٦٨٩ هـ- بنى في سنة ٦٨٣ هـ تربة على قبر والدة السلطان الملك الصالح بن المنصور قلاوون (٣) .

أما أشهر المدارس فهى المدرسة المنصورية، وقد وضع فيها قبة سميت القبة المنصورية وفيها قبر المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد، وهي من أكبر القباب وأشهرها، وصارت معظمة عند المماليك إلى حد أن السلطان إذا أمر أحدا


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٢٧/١٦٧، ٤٦٠- ٤٦١،٤٦٦) .
(٢) انظر: فوات الوفيات (١ / ٢٤٣، ٢٤٤) ، والبداية والنهاية (١٣ / ٢٧٦) ، والظاهر بيبرس (ص: ٦٠ ا- ا ١٦) ، ومملكة صفد (ص: ٢٦٣) .
(٣) انظر: تشريف الأيام والعصور (ص: ٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>