للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فنلمس- من خلال تتبع حياة ابن تيمية- رجوعه عن بعض المسائل التي قد يكون أخذها تقليدا، أو لم تتكامل معرفته بالشخص أو المسألة المعينة: فمثلا: يذكر أنه كان يحسن الظن بابن عربي الصوفي صاحب الفتوحات ثم عرف حقيقة حاله، يقول: " وأنا كنت قديما ممن يحسن الظن بابن عربى ويعظمه، لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من الفتوحات، والكنه، والمحكم المربوط، والدرة الفاخرة، ومطالع النجوم، ونحو ذلك، ولم نكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصوده، ولم نطالع الفصوص ونحوه، وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه، ونكشف حقيقة الطريق، فلما تبين الأمر عرفنا نحن ما يجب علينا، فلما قدم من المشرق مشايخ معتبرون، وسألوا عن حقيقة الطريقة الإسلامية والدين الإسلامي وحقيقة هؤلاء وجب البيان " (١) . ومرة حضر مع الصوفية وأقاموا سماعا لكنه لم يشاركهم يقول: " وكنت في أوائل عمري حضرت مع جماعة من أهل الزهد والعبادة والارادة، فكانوا من خيار أهل هذه الطبقة، فبتنا بمكان، وأرادوا أن يقيموا سماعا وأن أحضر معهم، فامتنعت من ذلك، فجعلوا لي مكانا منفردا قعدت فيه، فلما سمععوا وحصل الوجد والحال، صار الشيخ الكبير يهتف بى في حال وجده ويقول: يا فلان قد جاءك نصيب عظيم، تعال خذ نصيبك، فقلت في نفسي- ثم أظهرته لهم لما اجتمعنا-: أنتم في حل من هذا النصيب، فكل نصيب لا يأتي عن طريق محمد بن عبد الله فإني لا آكل منه شيئا، وتبين لبعض من كان فيهم ممن له معرفة وعلم أنه كان معهم الشياطين، وكان فيهم من هو سكران بالخمر" (٢) .

وهذه القصة كانت في أوائل عمره، وهنا يلحظ حرص هؤلاء الصوفية عليه لادخاله في زمرتهم، لكن موقفه القوي ووضوح العقيدة عنده ومعرفته بأحوالهم يدل على وعي مبكر بحال هذه الطائفة المنحرفة، ولذلك استمر في موقفه منها ورد عليها وفضح دعاتها. كما حدث له في مسألة"حلول الحوادث- الصفات الاختيارية لله تعالى- ومسألة الزيارة البدعية والشرعية ما يذكره بقوله: " ولكن هذه المسألة


(١) رسالة ابن تيمية إلى نصر المنبجى، مجموع الفتاوى (٢/٤٦٤- ٤٦٥)
(٢) مجموع الفتاوى (١٠/ ٤١٨٠-٤١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>