للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول الكلامية والعقلية التي يؤمن بها، وهذا منهج المتكلمين وليس منهج المحدثين، ولهذا كان تعليق الحافظ ابن حجر على كلام البيهقي بعد نقله له أقرب إلى منهج أهل الحديث من منهج البيهقي فقد قال - وهو الذي يميل إلى مذهب الأشاعرة -:" هذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه، وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج، ولا يخفي ما فيه، إذ الصوت قد يكون من غير مخارج، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة ... (١) ، لكن تمنه القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة (٢) وجب الإيمان به، ثم إما التفويض وإما التأويل (٣) ،

وهذا بناءً على منهج ابن حجر المخالف لمنهج أهل السنة، لأن منهجهم ليس التفويض أو التأويل، بل الإثبات للنصوص على ما دلت عليه مع نفي التشبيه والتكييف لها، والشاهد من كلام ابن حجر قوله: " وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به" فأين هو من كلام البيهقي الذي حاول تضعيف الروايات الواردة فيه؟.

وقد وقع للبيهقي ما هو شبيه بهذا في مواضع أخرى، مثل حديث " لا شخص أغير من الله " (٤) ، فقد نقل عن الخطابي ترجيحه أن هذه اللفظة


(١) بناءً على مذهب الأشاعرة.
(٢) هذا الكلام لابن حجر يرد على ما ذكره هو سابقاً في كتاب العلم، الفتح (١/١٧٤) في معرض تعليله لتفريق البخاري بين الموضعين، حيث جزم في تعليقه هنا، ولم يجزم في تعليقه لحديث جابر في كتاب التوحيد، وذلك حين قال: " ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا، فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن، وقد اتعضد، وحيث ذكر طرفاً من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو أتعضده"، وهو هنا ذكر أن الصوت ثبت بالأحاديث الصحيحة ويجب الإيمان به، ومنهج البخاري في الصفات لا يتوافق مع تعليل ابن حجر لعدم جزمه هنا.
(٣) فتح الباري (١٣/٤٥٨) ..
(٤) رواه مسلم، كتاب اللعان، ورقمه (١٤٩٩) ، والبخاري تعليقاً في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شخص أغير من الله، الفتح (١٣/٣٩٩) ، ووصله ابن حجر في التعليق (٥/٣٤٤) ، بإسناده إلى الدرامى وهو في سنن الدرامى (٢/٧٣) ، ورقمه (٢٢٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>