للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" مع أن ما ذكره من وجوب تناهي الأبعاد قد أبطل فيه مسالك الناس كلها، وأنشأ مسلكاً آخر ذكر أنه لم يسبقه إليه أحد، وإذا حرر الأمر عليه وعليهم في تلك المسالك كان القدح فيها أقوى من مسالكهم في النفي، فلو قدر أن اثنين أثبت أحدهما موجوداُ قائماً بنفسه لا يتناهى، وأثبت الآخر موجوداً لا يكون متناهياً ولا غير متناهٍ، كان قول الثاني أفسد، والأول أقرب إلى الصواب، وما من مقدمة يدعون بها إفساد قول الأول إلا وفي أقوالهم ما هو أفسد منها " (١) ، ثم يعقب شيخ الإسلام بقاعدة معينة يضرب لها المثال فيقول: " والمناظرة تارة تكون بين الحق والباطل، وتارة بين القولين الباطلين لتبيين بطلانهما، أو بطلان أحدهما، أو كون أحدهما أشد بطلاناً من الآخر، فإن هذا ينتفع به كثيراً في أقوال أهل الكلام والفلسفة وأمثالهم ممن يقول أحدهم القول الفاسد وينكر على منازعه ما هو أقرب منه إلى الصواب، فيبين أن قول منازعه أحق بالصحة إن كان قوله صحيحاً، وإن قوله أحق بالفساد إن كان قول منازعه فاسداً، لتنقطع بذلك حجة الباطل " (٢) ،

ويضرب المثال بالمسألة المطروحة وهي وجود الله وبينونته عن خلقه التي قال عنها الآمدي: إنه لو كان جسماً لكان له بعد وامتداد، والأبعاد لا بد أن تتناهى، ولم قيل: إن الله تعالى لا يتناهى للزم منه أن لا يوجد جسم غيره من المخلوقات، أو أن يخالط القاذورات وهو محال، والآمدي يحل المشكلة بأن يقول إن الله موجود وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، فشيخ الإسلام يأتي بالقول الآخر وهو قول الحلولية أو ما يلزم منه الحلول فيقول: " حكى الأشعري وغيره عن طوائف أنهم يقولون: إنه لا يتناهى، وهؤلاء نوعان، نوع يقول: هو جسم، ونوع يقول: ليس بجسم، فإذا أراد النفاة أن يبطلوا قول هؤلاء لم يمكنهم ذلك، فإنهم إذا قالوا، يلزم منه أن يخالط القاذورات والأجسام، قالوا: كما أثبتم موجوداً لا يشار إليه، ولا هو داخل ولا خارج، فنحن نثبت موجوداً هو داخل، ولا يخالط غيره. فإذا قالوا: هذا لا يعقل، قالوا: وذلك لا يعقل " -ثم يقول شيخ الإسلام- " ومذهب


(١) درء التعارض (٤/٢٠٥-٢٠٦) .
(٢) درء التعارض (٤/٢٠٦) وقد سبق نقل هذا النص (ص: ٣٠٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>