للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلام الله لا يقاس بكلام الخلق، ولولا أن المسلمين ابتلوا بمثل هذا الكلام الذي يقوله هؤلاء، ويقدمونه على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما كان هناك حاجة إلى تقرير مثل هذه الأصول التي هي من أول مسلمات كل مؤمن ينتسب إلى هذا الدين.

٢- ومن الأمثلة أيضاً احتجاجهم غير الدقيق ببعض الآيات القرآنية، مثل احتجاجهم بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} (الواقعة: ٥٨-٥٩) ، على دليل حدوث الأعراض الذي يقولون به، يقول شيخ الإسلام: " وكثير من أهل الكلام يجعل دلالة القرآن والأحاديث من جهة الخبر المجرد، ومعلوم أن ذلك لا يوجب العلم إلا بعد العلم بصدق المخبر، فلهذا يضطرون إلى أن يجعلوا العلوم العقلية أصلاً، كما يفعل أبو المعالي، وأبو حامد، والرازي، وغيرهم، وأئمة المتكلمين يعترفون بأن القرآن بين الأدلة العقلية كما يذكر ذلك الأشعري وغيره، وعبد الجبار بن أحمد وغيره من المعتزلة ".

" ثم هؤلاء يذكرون أدلة يجعلونها أدلة القرآن، ولا تكون هي إياها كما فعل الأشعري في " اللمع " وغيره حيث احتج بخلق الإنسان، وذكر قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} (الواقعة: ٥٨-٥٩) ، لكنم هو يظن أن النطفة فيها جواهر باقية، وأن نقلها في الأعراض يدل على حدوثها، فاستدل على حدوث جواهر النطفة (١) . وليست هذه طريقة القرآن ولا جمهور العقلاء، بل يعرفون أن النطفة حادثة بعد أن أن لم تكن، مستحيلة عن دم الإنسان، بالاستحالة، وبعدم المادة الأولى لا تبقى جواهرها بأعيانها دائماً " (٢) ، ثم يقسم ابن تيمية النظار في نظرتهم إلى دلائل القرآن إلى ثلاث درجات:

- منهم من يعرض عن دلائله العقلية.


(١) انظر: اللمع للأشعري (ص: ٧) ، ت مكارثي، والرسالة إلى أهل الثغر (ص: ٣٥) .
(٢) مجموع الفتاوي (١٦/٤٧٠-٤٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>