للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الخلاف إنما ورد على ما في الصحيحين من الأحاديث، وهذا منسحب على ما ورد في غيرهما من الأحاديث الثابتة التي تلقتها الأمة بالقبول.

وقد جاءت مناقشة شيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة كما يلي:

١ - التحقيق في المقصود من خبر الواحد حيث يقال: إنه يفيد العلم، لأن البعض يظن أن من قال بهذا القول فإنه يقول بإفادته العلم في كل خبر، وهذا غير صحيح يقول شيخ الإسلام، " إن أحداً من العقلاء لم يقل إن خبر كل واحد يفيد العلم، وبحث كثير من الناس إنما هو في رد هذا القول " (١) ، ويقول أيضاً: " ولا يقول عاقل من العقلاء: إن مجرد خبر الواحد أو خبر كل أحد يفيد العلم " (٢) ،

وهذا بيان وتحقيق لموطن الخلاف، لأن الذين يقولون إنه يفيد الظن بنوا قولهم على أن خبر الواحد قد يصدق وقد يكذب فكيف يقال: إنه بمجرده يفيد العلم؟ وهذا صحيح بعمومه، ولكن الذين قالوا إنه قد يفيد العلم قيدوه بقيود معلومة كأن تحفة القرائن المؤيدة، أم تتلقاه الأمة بالقبول، أو يرويه الحفاظ الذي عرف عنهم الضبط والإتقان، وغيرها، وهذا الغلظ على العلماء الذي بينه شيخ الإسلام ابن تيمية أغضب شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله- فقال وهو يعرض لهذا الموضوع بعد تفصيل وافٍ مشبعٍ بلغ قرابة المائة صفحة: " المقام التاسع والعاشر: وهو أن قولهم خبر الواحد لا يفيد العلم قضية كاذبة باتفاق العقلاء إن أخذت كلية عامة، وقضية لا تفيد إن أخذت جزئية أو مهملة، فإن عاقلاً لا يقول: كل خبر لا يفيد العلم حتى تنتصبوا للرد عليه كأنكم في شيء وكأنكم قد كسرتم عدو الإسلام فسودتم الأوراق بغير فائدة، حتى كذب بعض الأصوليين كذباً صريحاً لم يقله أحد قط فقال: مذهب أحمد ابن حنبل في إحدى الروايتين عنه: أن خبر الواحد يفيد العلم من غير قرينة، وهو مطرد عنده في خبر كل واحد، فيالله العجب، كيف لا يستحي العاقل من المجاهرة بالكذب على أئمة الإسلام، لكن عذر هذا وأمثاله أنهم يستجيزون نقل


(١) المسودة (ص:٢٤٤) .
(٢) شرح الأصفهانية (ص:٩٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>