للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القائلين بخلق القرآن.

وهؤلاء بذلك يكونون قد قربوا من المعتزلة كثيراً.

وقد أورد شيخ الإسلام في نقض التأسيس سؤالاً مهماً حول هذا الموضوع ومضمونه: إنه إذا كانت مسألة العلو- ودلائلها من الكتاب والسنة والإجماع، والفطرة والعقل - أظهر من أدلة " الرؤية " فلماذا أقر متأخرو الأشعرية بهذه وأنكروا تلك، مع أن المسألتين من مقالات المعتزلة التي خالفوا فيها أهل السنة؟ وقد أجاب شيخ الإسلام- بعد إن أورد السؤال مختصراً - بقوله: " قيل: سببه أن الجهمية كانت متظاهرة بدعوى خلق القرآن، وإنكار الرؤية، ولم تكن متظاهرة بإنكار العلو.. فكان الذين يناظرونهم من متكلمة إثبات الصفة كأبي سعيد ابن كلاب، وأبي الحسن الأشعري وأصحابهما، فظهر من مخالفتهم لهم في هاتين المسألتين (١) ، بسبب ظهور الخلاف فيهما ما لا يظهر فيما يخفونه من المسائل، ومع هذا فقد كان أولئك يخالفونهم أيضاً في إنكار أن الله فوق العرش.. لكن لم يأتوا في مناظرتهم بما يقطع مادة التجهم ويقلع عروقه، بل سلموا لهم بعض الأصول التي بنوا عليها التجهم، ومباحثهم في مسألة حدوث العالم، والكلام في الأجسام والأعراض، وهو من الكلام الذي ذمه السلف والأئمة، حتى قال محمد بن حويز منداد: أهل البدع والأهواء عند مالك وأصحابه هم أهل الكلام، فكل متكلم في الإسلام فهو من أهل البدع والأهواء؛ أشعرياً كان أم غير أشعري (٢) ، وذكر ابن خزيمة وغيره أن الإمام أحمد كان يحذر مما ابتدعه عبد الله بن سعيد بن كلاب وعن أصحابه كالحارث، وذلك لما علموه في كلامهم من المسائل والدلائل الفاسدة، وإن كان في كلامهم من الأدلة الصحيحة ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف، فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث..".


(١) أي مسألة: خلق القرآن، وإنكار الرؤية.
(٢) نقض التأسيس - مطبوع - (٢/٨٦-٨٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>