للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أذن لي أبي أو شيخي، أو: إلا أن ينهاني أبي أو شيخي لم يكن مؤمناً به بالاتفاق، وكذلك من قال: أؤمن به إن ظهر لي صدقه، لم يكن بعد قد آمن به، ولو قال: أؤمن به إلا أن يظهر لي كذبة لم يكن مؤمناً، وحينئذٍ فلابد من الجزم بأنه يمتنع أن يعارض خبره دليل قطعي، لا سمعي ولا عقلي، وإن ما يظنه الناس مخالفاً له إما أن يكون باطلاً، وإما أن لا يكون مخالفاً، وأما تقدير قول مخالف لقوله وتقديمه عليه: فهذا فاسد في العقل، كما هو كفر في الشرع، ولهذا كان من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أنه يجب على الخلق الإيمان بالرسول إيماناً مطلقاً، جازماً، عاماً: بتصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أوجب أمر، وأن كل ما عارض ذلك فهو باطل" (١) .

فمن كانت لديه هذه الثقة المطلقة، وهذا الإيمان الصادق بما جاء به الرسول - وهو من أوليات وبديهيات الإيمان - فلا يمكن أن يظن بأخبار الوحي الظنون، ولا أن يخطر له خاطر أنه يمكن أن يعارضه عقل أو غيره.

٣- بين شيخ الإسلام الخطوط العامة اللازمة لنقض هذه القوانين التي ابتدعها هؤلاء، يعارضون بها الكتاب والسنة، وكان من آثارها: قولهم بأن الاستدلال بالأدلة السمعية مبني على مقدمات ظنية، وأن أخبار الآحاد لا يحتج بها في العقيدة، ومن ثم فالعقل مقدم على النقل، وهذه الخطوط العامة هي:

- بيان أن الأدلة السمعية حجة بنفسها، وأنها تفيد اليقين والقطع، وقد ذكر شيخ الإسلام أنه أفرد في ذلك مصنفاً قديماً، وأنه ذكر طرفاً من بيان ذلك في شرح أول المحصل للرازي (٢) .

- أن الرسول بلغ البلاغ المبين، وبين مراده، " وأن كل ما في القرآن والحديث من لفظ يقال فيه: إنه يحتاج إلى التأويل الاصطلاحي الخاص الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فلابد أن يكون الرسول قد بين مراده بذلك اللفظ


(١) درء التعارض (١/١٨٨-١٨٩) .
(٢) لم يصل إلينا - فيما أعلم - هذان الكتابان - وقد وصل - والحمد لله - كلام طويل لشيخ الإسلام حول هذا الموضوع، وهو في مخطوطة نقض التأسيس (٢/٣٠٣-٣٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>