للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الكوثري: «وفي ذلك عبر من ناحية الخطيب وأحوال الحنابلة في آن واحد» .

أقول: السبط ليس بعمدة كما يأتي وابن طاهر لم يدرك الخطيب لكن ما تضمنته القصة من تتبع أولئك العامة للخطيب وإيذائه يوافق في الجملة ما تقدم عن ابن الجوزي، وكذلك يوافق ما في (تذكرة الحفاظ) ج ٣ ص ٣١٨ عن الحافظ المؤتمن الساجي «تحاملت الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه» وابن الجوزي نفسه يتألم آخر عمره من أصحابه الحنابلة حتى قال في (المنتظم) ج ١٠ ص ٢٥٣ بعد أن ذكر تسليم المدرسة إليه وحضور الأكابر وإلقاءه الدرس: «وكان يوماً مشهوداً لم ير مثله ودخل على قلوب أهل المذهب غم عظيم» وزاد سبطه في (المرآة) عنه: «لأنهم حسدوني» قال السبط «وكان جدي يقول: والله لولا أحمد الوزير ابن هبيرة لانتقلت عن المذهب فإني لو كنت حنفياً أو شافعياً لحملني القوم على رؤوسهم» . وليس السبط بعمدة لكن عبارة المنتظم تشعر بصحة الزيادة. هذا حال ابن الجوزي في آخر عمره، فأما الخطيب فأنه كان انتقاله في حداثته ليتمكن من طلب العلم لا ليحمل على الرؤوس، وكأن كلام ابن الجوزي هذا مما جرأ السبط على الانتقال إلى مذهب أبي حنيفة تقرباً إلى الملك عيسى ابن أبي بكر الأيوبي، وقد دافع عنه صاحب (الذيل) على كتابة (المرآة) كما في (لسان الميزان) بقوله «وعندي أنه لم ينتقل عن مذهبه إلا في الصورة الظاهرة» . وهذا العذر يدفع احتمال أن يكون انتقل تديناً ويعين أنه إنما انتقل لأجل الدنيا.

فصل

قد علمت بعض ما كان يلقاه الخطيب من إيذاء العامة حتى في الجامع وقت إملاء الحديث وفي بيته، إذ كانوا يطينون عليه بابه فيحولون بينه وبين شهود الجماعة. عاش الخطيب في هذا الوسط إلى أن ناهز الستين من عمره، وأولئك المؤذون يتعاقبونه نهاراً وليلاً يتمنون أن يقفوا له على زلة، أو يعثروا له على عثرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>