للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ السَّوْطُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ: نَاوِلْنِي إِيَّاهُ.

وقد ثبت في الحديث المتفق على صحته أنه قال: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ؛ هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» . فهؤلاء لا يقولون لأحد: ارقنا، وقد كان جماعة يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه الرقية ويطلبون ذلك من بعض أصحابه، وهذا وإن كان جائزًا لكن أولئك لا يسألون إلا الله، فدرجتهم أعلى، وأما بعد موته، فلم يكن الصحابة يطلبون منه ما كانوا يطلبون منه في حياته، لا من دعاء، ولا من غير دعاء البتة، ولا كان السلف في القرون الثلاثة يأتون إلى قبر أحدٍ من الأنبياء، والصالحين، يطلبون منه حاجة، ولا دعاء، ولا غيره، ولا يسافرون إلى قبره، بل إذا /٤٩ب/ زاروا قبور المؤمنين كان مقصودهم الدعاء لهم كالصلاة على جنائزهم، لا دعاؤهم، ولا الدعاء بهم.

فتبين أن قول جمهور العلماء الذين لا يستحبون أن يطلب منه بعد موته استغفار، ولا غيره، هو المشروع الذي كان عليه الصحابة.

وأيضًا فلو شرع أن يطلب من الميت الدعاء، والشفاعة، كما كان يطلب منه في حياته؛ كان ذلك مشروعًا في حق الأنبياء، والصالحين، فكان يسنّ أن يأتي الرجل قبر الرجل الصالح، نبيًّا كان، أو غيره، فيقول

<<  <   >  >>