للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتنقصًا، كالنصارى، وبسط هذه الأمور له مواضع أخر، وإنما المقصود التنبيه على [هذه] (١) الجمل ليعرف /٦٦أ/ الإنسان الفرق بين ما جاء به الرسول، وبين ما يشبه به وليس منه، فيعرف شريعة الرسول التي قال الله فيها: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ • إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: ١٨-١٩] .

فأمّة محمد صلى الله عليه وسلم - ولله الحمد والمنة - لا تجتمع على ضلالة، بل لا يزال فيهم من هو قائم بالحق إلى أن تقوم الساعة، فلهذا لا يزال في أمته من يفرق بين الطريق الشرعية، والبدعية، ويميز ما جاء به الرسول مما قاله غيره، فإذا طلب المسلم أن يتبع الرسول أمكنه ذلك؛ لوجود من يعرف هذا من الأمة، بخلاف النصارى، وأهل البدع، فإن النصارى لما كثرت فيهم البدع، واشتهرت، وقل العلم فيهم، صار يتعذر - أو يتعسر - عليهم الفرق بين ما أمر به المسيح، وبين ما أمر به غيره، بل هذا خلط بهذا، وصار بأيديهم كتب فيها هذا المختلط الذي لبس فيه الحق بالباطل.

وهكذا أهل البدع كالذين يوجبون اتباع غير الرسول صلى الله عليه وسلم من شيخ، أو إمام، أو غير ذلك، تجد عندهم أمورًا منقولة عن شيخهم، أو إمامهم، أو عن علي رضي الله عنه، /٦٦ب/ أو غيره، وفيها حق وباطل، ولا يمكنهم التمييز بين (٢) حقها وباطلها، وتجدهم يروون أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفون صدقها من كذبها.

وهكذا عامة أهل البدع، لا يميزون بين الحديث الصحيح وغير الصحيح، لكن ما وافق آراءهم وأهواءهم كان هو الحق عندهم، وإن كان


(١) إضافة من المحقق، وليست في الأصل.
(٢) في الأصل: (من) ، والتصويب من المحقق.

<<  <   >  >>