للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرجوع بلا صلاة في مسجده، فهذا لم يقله أحد من العلماء، وعامة الحجاج لا بد أن يصلوا في مسجده، /٤٥أ/ ثم يسلموا عليه.

فهذا فرق بين هذا السفر إلى بلده وبين السفر إلى سائر المدائن غير مدينته، فهذا مشروع في الجملة بالنص والإجماع، بخلاف السفر إلى مدينة غيره، لكن من كان عالمًا بالشريعة إنما يقصد السفر إلى مسجده، وهؤلاء الذين لا يسافرون إلى قبر أحد، ولا يدعون إلا الله، وإذا زاروا القبور زاروها على الوجه المشروع، فيقصدون الدعاء للموتى، كما يقصدون بالصلاة على جنائزهم، فمقصودهم عبادة الخالق والدعاء للمخلوق، وأهل الجهل مقصودهم الشرك بالخالق، وظلم أنفسهم، وظلم المخلوق.

فالزيارة الشرعية فيها القيام بحق الخالق تعالى، وبحق المزور، وبحق الإنسان نفسه، ففيها توحيد الله، وهو حقه، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ لَا (١) يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» .

وحق المزور: الدعاء له، كالصلاة على جنازته، وذلك سبب لزيادة الرحمة، والإحسان، والرضوان، والزائر يحصل له من الأجر والثواب على عبادة الله والإحسان إلى عباده ما يستحقه لقيامه بحق الله وحق خلقه.

وأما الزيارة البدعية ففيها ظلم الإنسان نفسه، وظلم المزور، والظلم في حق الله، فـ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، /٤٥ب/ والمزور لا ينتفع بها بل يتأذى، ويتضرر، فإن سؤاله ما لم يؤمر بطلبه منه، لا سيما مع رفع الأصوات عنده،


(١) غيرت في المطبوع إلى: (ولا) .

<<  <   >  >>