للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنَّ بِفيها، بُعَيْدَ المنام، ... خَلِيَّةَ شُهْدٍ لمُشتارِها

فيا عجبا من قُوَى قلبِها ... ومن ضَعفِ مَعْقِدِ زُنّارِها

تَحِلُّ ب فَيْد، وكم للنّوَى ... تقاضي الخطوبَ على ثارِها

وجاور أهلك أهل العِراق ... وشَتّانَ دارُك من دارِها

تقضَّى الشّبابُ وأَيّامُه ... وقلبي مُعَنّىً بتَذْكارِها

وإِنّي لأَرْجو، على نَأْيِها ... وما فاتَ من رَجْع أَسمارِها،

أَمُرُّ طليقاً بوادي الحِمى ... وترمُقُ ناري سَنا نارِها.

وكم من طروبٍ ب نجد. وما ... جَنَى من جَناها وأشجارِها،

ولا شمَّ نفحة جَثْجاثِها، ... ولا راقَه حسنُ أزهارِها،

فكيف بمَنْ قد قضَت نفسُه ... بأَرْبُعِها بعضَ أوطارِها؟

وكيف بمَنْ لم يَزَلْ قومُه ... حُماةَ رُباها وأَغوارِها؟

يظُنُّ الهَزار بأرض العِراق ... مُجاوبَ صوتِ خشنشارِها

قَمارِي النَّخيلِ وأَطيارُه ... يرنّحُها بَرْدُ أسحارِها

كأنَّ البلابلَ شَرْبٌ، حَسَتْ ... دِهاقاً بكاساتِ خَمّارِها

إذا لم تكن زينب في زَرُودَ ... فلا سُقِيَتْ صَوْبَ أَقطارِها

ولا عَمَرتْ أربُعٌ بالحِمى ... إذا فارقتُ أمُّ عمّارِها.

ويَهْماءَ، ليس بها مَعْلَمٌ، ... يَتِيهُ الدَّليلُ بسُفّارِها

تجاوزتُها، ومعي فِتيةٌ ... تُراعي النُّجومَ بأَبصارِها،

على ناجياتٍ، كمثل القِسِّيِ، ... يباشرُها طول تَسْيارِها

تُسابقُ فُرّاطَ كُدْرِيّهِا ... فتحسو بقيَّة أسآرِها

تُخالُ، وقد طال إِسآدُنا ... بها سُجَّداً فوقَ أكوارِها،

حَنايا، ونحن لها أسهمٌ ... ونجدٌ رَمِيَّةُ أوتارِها

فآضت وجوهٌ كمثل الوَذِيلِ، ... تُحاكي الحُلُوكةَ من قارِها

فآوت إلى ظِلّ مأوى الضَّرِيكِ ... وحطَّتْ به ثِقْلَ أَوزارِها

باب في ذكر محاسن أهل واسط والبصرة

وما يتخللها ويجاورهما من البلاد والنواحي

[واسط]

أبو الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الشافعي الواسطي كان من شعراء الدولة القائمية والمقتدية والمستظهرية. وكان من شهود واسط وأعيانها. عاش تسعين سنةً، إلا شهوراً.

قرأت في الذيل ل ابن الهمذاني: أنه توفي ب واسط يوم الخميس رابع عشر جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وأربع مئة. ومولده ذو الحجة سنة تسع وأربع مئة. وكان الرجل الذي لا يرى مثله في كمال فضله، وبلاغته، وحسن خطه، وجودة شعره.

وله أبيات، قالها قبل موته. إن حصل رويها ضاداً معجمة، أو صاداً غير معجمة، لم يستحل معناها. وهي:

خليلي الَّذي يُحصي عليَّ محاسني ... فأكرِمْ بذاك الخِلِّ من ماجد مَحْضِ محصِ

وإن لامَه في خُلَّتي ذو عداوة ... فأَجْدِرْ به في ذلك الوقتِ أن يُغضِي يَعْصِي

يَزيدُ على الأيّام حفظَ مَودَّةٍ ... به أَمِنت، والحمدُ لله، من نقضٍ نقصِ

ومن شعره القديم، وهو مما يتغنى به، قوله:

وحُرمةِ الوُدِّ مالي عنكمُ عِوَضُ ... لأنَّني ليس لي في غيركم غَرَضُ

أشتاقُكم وبوُدّي أن يواصلَني ... لكم خَيالٌ، ولكن لست أغتمضُ

وقد شرَطْتُ على قوم صحِبتُهُمُ ... بأنَّ قلبي لكم من دونهم، ورَضُوا

ومن حديثي بكم، قالوا: به مرض، ... فقلت: لا زال عنّي ذلك المرضُ

وله مما يكتب على فص عقيقٍ أحمر:

ما كان قبلَ بكائي، يومَ بَيْنِكمُ، ... فَصِّي عَقيقاً، ولا دمعي استحال دما

وإِنَّما من دُموعي الآن حمرتُه ... فانظُرْ إلى لونه والدَّمعِ كيف هُما

وله في فص أصفر:

<<  <  ج: ص:  >  >>