للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاتل الله عَذولي ما درى ... أَنّ في الأَعين أُسداً تثب

لا أَرى لي عن حبيبي سلوةً ... فدعوني وغرامي واذهبوا

قد قبلنا ما حكمتُمْ في الهوى ... ورضينا فعلامَ الغضب

ومنها:

يوَمِنَ الرَّيْحان في عارضه ... أَرجلُ النمل بمسكٍ تكتب

فوحقِّ الحب ما أَدري: الدُّجى ... شَعرُه أَم صُدغه أَم عقرب

وأنشدني من أخرى:

يا نسيماً هبَّ مِسكاً عَبِقا ... هذه أَنفاس رَيّا جِلِّقا

كُفَّ عنّي، والهوى، ما زادني ... بردُ أَنفاسك إِلاّ حُرَقا

ليت شعري، نقضوا أَحبابنا ... يا حبيب النفس، ذاك المَوْثِقا

يا لَصبٍّ أَسروا مُهجته ... بسهامٍ أَرسلوها حَدَقا

وأَداروا بعده كأْس الكرى ... وهو لا يشرب إِلاّ الأَرَقا

يا رياح الشوق سُوقي نحوهم ... عارضاً من سحب دمعي غدِقا

وانثري عِقد دموعٍ طالما ... كان منظوماً بأَيّام اللِّقا

ومنها:

أَسروا قلبي جميعاً عندهم ... بأَبي ذاك الأَسيرَ المُوثَقا

ليت أَيامَ التصابي تثبتت ... بالفتى أَوْ ليته ما خُلقا

وأنشدني له في هجو الجبيلي الشاعر:

أَتى الجبيلي بشعرٍ مثل شِعرته ... كالعَيْر ينهق لمّا عاين الأُتُنا

فكم جهَدتْ بأَن أَهزو بحليته ... فصار يخرى عليها واسترحتُ أَنا

[الجبيلي]

أنشدني له الشريف حيدرة الزيدي في حمام يناها الأفضل بمصر، كتبت على بابها:

يا داخلَ الحمّام مُستمتِعاً ... منها بريح المسك والمَنْدَلِ

إِيّاك أَن تذهَل من حُسنِ ما ... تنظره في أَوَّل المنزل

في كلّ بيت جَنّةٌ زُخرفت ... ما مثلها في الزمن الأول

رقّتْ وراقتْ فهي في حُسنها ... تحكي زمان الملك الأَفضل

[البائع الأعور الدمشقي]

قرأت بخط أبي سعد السمعاني من تاريخه المذيل، للبائع الدمشقي في ذم الخلطة:

تعجبني الوحدة حتى لقد ... يعجبني من أجلها لحدي

فليتني إن كنت في جَنَّةٍ ... أَو في لظىً، كنتُ بها وحدي

كيلا أَرى كلَّ أَخي فَعلةٍ ... مُستفحِلٍ مستكلِبٍ وَغْدِ

باب في ذكر محاسن جماعة

من العلماء بدمشق ومن أهل القدس

ثقة الدين

أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله

ابن عبد الله بن الحسين، الدمشقي الشافعي الحافظ، من أصحاب الحديث. لقيته بدمشق وسمعت عليه من التاريخ الذي صنّفه. واتفق لي أيضاً سماع شيء مما ألفه.

وذكر السمعاني أنه رفيقه، وقال: كان أبو القاسم بن أبي محمد من أهل دمشق، كثير العلم، غزير الفضل، حافظاً، متقناً، ثقة، ديناً، خيراً، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، مثبتاً، محتاطاً، رحل في طلب الحديث. ورد بغداد سنة عشرين وخمسمائة ورجع إلى دمشق، ورحل إلى خراسان على طريق أذربيجان. ثم وافيت نيسابور سنة تسع وعشرين، وصادفته بها، وكنت أسمع بقراءته، واجتمعت معه ببغداد سنة ثلاث وثلاثين، وبدمشق سنة خمس وثلاثين، وسألته عن مولده فقال: في العشر الآخر من محرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة.

وأنشدني لنفسه بالمزة من أرض دمشق:

أَيا نفسُ ويْحكِ، جاء المشيب ... فماذا التَّصابي وماذا الغَزَلْ

تولّى شبابي كأَنْ لم يكن ... وجاءَ مشيبي كأَن لم يَزَلْ

فيا ليت شِعْريَ ممّن أَكون ... وما قدَّرَ اللهُ لي في الأَزَل!؟

قال السمعاني: وأنشدنا أبو القاسم الحافظ الدمشقي لنفسه ببغداد:

وصاحبٍ خان ما استودعتُه وأَتى ... ما لا يليق بأَرباب الدِّياناتِ

وأَظهر السرَّ مُختاراً بلا سبب ... وذاك والله من أَوفى الجنايات

أَما أَتاه عن المختار من خبرٍ ... أَن المجالس تُغْشى بالأَمانات

<<  <  ج: ص:  >  >>