للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَدمت ذروة المعالي ووارتْ ... جسد المجد في ثَرى الغَبراء

قد أَرانا سريرُه كيف كانت ... قبلُ تُجْلى أَسرّةُ الأَنبياء

سيّرتْ نعشَه الملوكُ وأَملا ... كُ السّموات بالبُكا والدُّعاء

وامترى حزنُه مدامعَ أَهل الأَرض حتى جرتْ دُموع السّماء

حَسْبُه أَنّه بهِ استُسْقِيَ الغيثُ فجادتْ به يدُ الأَنواء

نَعَش الله نعشه وسقاه ... رحمةً، بالغمامة الوَطفاء

قد وددنا أَنّ العيون استَهلَّتْ ... عِوَض الدمع بعده بالدماء

وَلتلك الدموع كانت نجيعاً ... قَصَرَتْه حرارةُ الأَحشاء

ولقد قرّت الأَعادي عُيوناً ... طالما أُغضِيت على الأَقْذاء

كم به جُرّع العدوّ ذُعافاً ... من أَفاويق البُؤْس والبأْساء

لم يزل يرغَم العدوَّ ويسعى ... رافلاً في مطارف النَّعماء

من يكن شامتاً فللموت بأْسٌ ... ليس يُثْنى بالعِزّة القعساء

وله وثبةٌ تذِلّ لها أُسْدُ الشَّرى والجيوش في الهيجاء

من يمت فَلْيمت مَمات أَبي القا ... سم عن عِفّةٍ وطيبِ ثناء

كم حوى لحدُه من العلم والحلم وكم ضمّ من سناً وسناءِ

إِن يكن في الموتى يُعَدّ فقد خلّف علماً أَبقاه في الأَحياء

مودَعٌ في سَوادِ كلّ فؤادٍ ... بتصانيفه بياض وَلاءِ

وإِليه تُنْمى بنوه وطيب الأَصل مستأْزرٌ بطيب الجَناء

لكُمُ يا بني عساكر بيْتٌ ... سامِقٌ في ذُرى العُلى والعَلاء

لم يزل مُنْجِباً أَبوكم فما بُشّر إِلاّ بالسادة النُّجباء

ولكُم في الأَنام صيتٌ رفيع ... مُشرِفٌ فوق قِمّة الجوزاء

فتعَزّوْا عنه بصبرٍ وإِن كا ... ن مضى باصطبارنا والعزاء

نحن نبكي عليه حُزناً وكم قد ... صافحته في اللَّحد من حَوْراء

يا أَبا عُذْرِ كل مَعنىً دقيقٍ ... جَلَّ قدراً كالدُّرَّة العذراء

صَبْرُنا يا ابن بَجْدة العلم أَمسى ... عنك مستصعِباً شديد الإِباء

علماءُ البلاد حلّتْ حُباها ... لك يا مَنْ عمّ الورى بالحِباء

ما عسى أَن نقول فيك وقد فا ... تت أَياديك جُملة الإِحصاء

أَنت أَعلى من أَن تُحَدَّ بوصفٍ ... بلغتْه بلاغةُ البلغاء

أَنت أَولى بأَن تُرَثّيك حتّى ... يُبْعَثَ الخلقُ، أَلسنُ الشعراء

فعليك السلامُ ما لاح وجه الصّبح من تحت طرَّةٍ سوداء

وسقى التربةَ التي غبتَ فيها ... كلُّ جَوْنٍ ودِيمةٍ هَطْلاء

[الصائن ابن عساكر]

أخو الحافظ كان عزير العلم، كبير القدر، وافر المعرفة بجميع العلوم، متقناً، مفضلاً على أخيه. توفي بدمشق بعد وصولي إليها، ولقيته بها، وله شعر حسن.

[الحافظ أبو محمد]

عبد الخالق بن أسد بن ثابت الدمشقي له:

قلَّ الحِفاظُ فذو العاهات مُحترمُ ... والشَّهْمُ ذو الرأْي يؤذى مع سلامتِهِ

كالقوس يُحْفَظ عَمْداً وهو ذو عِوَجٍ ... ويُنْبَذ السَّهْم قصداً لاستقامته

وله في فقيه:

أَبدى خِلافاً لوعدِ وَصلٍ ... وهدّد الهجرَ بائتلافِ

فلا عجيبٌ، نَشا فقيهاً ... والفقهُ يحلو مع الخلاف

وله:

قالوا ترى ماءَ وَجْنتيْه، به ... لهيبُ نارٍ ما ينطفي أَبدا

فقلت لا تعجبوا فذا لهبي ... لاح بمرآة خدّه وبدا

كمثل بدرٍ أَلقى تَشَعْشُعَه ... في الماء لمّا أَضاء مُتَّقِدا

وله:

قال العواذلُ ما اسمُ مَنْ ... أَضنى فؤادَك، قلتُ: أحمدْ

قالوا: أَتحمَد وقد ... أَضنى فؤادك، قلت: أَحمد

لقيته بالشام في دمشق. مدرس بالمدرسة الصادرية. وتوفي بها سنة أربع وستين. وكان يلقب بالحافظ وهو متطرف في كل فن.

أبو علي الحسن بن مسعود

<<  <  ج: ص:  >  >>