للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سافر إلى ديار بكر، وصار والياً بقلعة قريبة من ميافارقين، وغزا الأرمن، وأبلى في جهادهم بلاء حسناً. وكان نحوياً ذكياً لسناً، وتوفي في سنة سبع أو ثمان وستين وخمسمائة، وله شعر.

فمن ذلك قوله في أبيات يغنى بها:

قلبي أَشارَ بِبَيْنِهِمْ ... وعليه كان وَبالُهُ

فسَلوه بعد فِراقهم ... وبِعادهم ما حالُه

[ابن الزغلية الكاتب]

من أهل دمشق زين الكتاب أبو الحسن علي بن جعفر بن أسد بن علي المعروف بابن الزغلية، قال: جدي جوهري، وأبي صائغ، فلا جرم، ورثتهما في الصناعة والصياغة، والخط والبلاغة، فأنا فيهما مبالغ. منظوم طروسه كالجواهر، وعقود نقوده كالحلي الفاخر، بل كالنجوم والزواهر. شيخ بهي، رواؤه شهي، وخطه مقلي، للعلم طراز وللنظم حلي، لقلمه حلاوة، ولكلمه طلاوة.

كان يكتب كل سنة لنور الدين مصحفاً، ويصير ببره في صرف الصروف عنه متصرفا، خطه كالروض الأنف، والوشي المفوف، والعذار المقتض عذرة الهوى العذري، والزلال الصافي لعين الحائم عند رؤيته في طلب الري. وقد نيف على السبعين، وتوفي بدمشق في شهر رمضان سنة إحدى وسبعين.

وأنشدني بدمشق لنفسه سنة إحدى وسبعين من قصيدة زعم أنه مدح بها الصالح بن رزيك وأنفذها إليه إلى مصر سنة أربع وخمسين وهي:

أَبُثّكما لو أَن نائبة تَعْرو ... تُفَرَّج بالشكوى إِذا غُلب الصبرُ

ولكنّ داء الحُبِّ أَعيا دواؤه ... وما لي إِلى ما لست أَغنى به فقر

خليليّ هل أَلفيتُما أَو أَلِفتُما ... سوى الوصل يشفي داءَ من شفَّه الهجر

دعا للهوى مَنْ تَلْحَيان، فقد دعا ... مُجيباً، وكُفّا العَذْل إِن لم يكن عُذر

ستُبدي شؤوني عن شؤونيَ كُلِّها ... وهل لامرئٍ نمّت مدامعُه سِرّ

وخالبةٍ بالحُسنِ حاليةٍ به ... مُنىً صدقُها خَتْلٌ وصُحبتها خَتْر

تَشابه جفناها وجسمي وخصرها ... وجانس منها لفظَها العِقد والثغر

يهون عليها أضن يَعِزَّ رُضابُها ... بَروداً على مَنْ حَشْوُ أَحشائه جَمر

مُنيتُ بما يُوهي الجليدَ وحبّذا ... لو انقاد لي ذا القلب أَو أَصحبَ الفكر

ومنها في المديح:

ولو شئتُ أَعداني على الدهر إِذْ عدا ... أَميرُ الجيوش المالك الصالح الغَمْرُ

مليكٌ يَعُمّ الأَرضَ واكفُ كفّهِ ... ففي كل قُطرٍ من سحائبها قَطر

ومنها:

حوى قصباتِ السَّبْق في المجد والعُلى ... ومَنْ دونَه مِنْ دونِه المَسْلكُ الوَعْرُ

فيُخفِق عن غاياته كلُّ من سعى ... ويَخفِقُ في راياته العزّ والنصرُ

تمنَّتْ خراسانٌ سياسةَ عدله ... وتاهت على أَرض العراق به مِصر

ومنها:

وأَكرم نفساً أِن يُهَزَّ إِلى ندىً ... وأَكبر قَدراً أَن يُرى وبه كِبرُ

يميلُ إِلى الشكر الجميل سيادةً ... ويأْبى، وَقاراً، أَن يَميل به السُّكر

فلا طربٌ إِلاّ على نغم الظُّبى ... ولا سُكرَ إِلاّ أَن يُرنِّحه شُكر

ومنها:

أَرى ما وراء الحُجبِ عَيْناً بها عَمىً ... وأَسْمَعَ ما في النفس أُذْناً بها وَقْرُ

إِذا ما دجا ليلٌ من الخَطب مُظلمٌ ... تَبلَّج من إيراء آرائه فجر

ولا عَيْبَ في أَخلاقه غير أَنها ... صفتْ فَنَقَتْ ظنَّ الورى أَنها الخمر

ولا تِيهَ فيه غير أن يمينه ... بها أَنَفٌ من أَن يُقاس بها البحر

فقد غمر العافين ساكنُ يَمِّها ... فما ظنُّهم إِن هاج آذِيُّها الغَمْر

فَمن في النُّهى قيسٌ وفي الجودِ حاتِمٌ ... وفي عدله كسرى وفي بأْسه عمر

له قلمٌ يَعْنو له مُبرَمُ القضا ... وتعجِز عن أَفعاله البيض والسُّمرُ

وساحةُ صدرٍ ضاق عن رُحبها الفضا ... وراحةُ جودٍ شحَّ عن سَحِّها القَطر

ومنها:

<<  <  ج: ص:  >  >>