للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِذا كنتَ مُعافىً سالماً ... في اعتلاءٍ وسُعودٍ هان هَمّي

خادم المجلس العالي يخدم بالثناء والدعاء:

ويومئُ بالتحيّة من بعيدٍ ... كما يومي بأصبعه الغريقُ

وعنده من الشوق مع قرب العهد إلي شهي رؤيته، والوحشة لخدمته، ما يعجز الأقلام شرحه، ويحرق الطرس لفحه، وهو ينحرف من مقام الاشتكاء، إلى مقام الدعاء، ويرغب إلى الله أن يكلأه بحفظه في سفره ومقامه، ويجزل حظه من فضله وإنعامه.

ووصلت منه مكاتبةٌ إلى الملك الناصر صلاح الدين في صفر سنة اثنتين وسبعين فقال لي القاضي الفاضل: خذها وأوردها في الخريدة والجريدة وهي:

لا زِلتَ يا مَلِكَ الإِسلام في نِعَمٍ ... قرينُها المُسْعِدانِ: النَّصْر والظَّفَرُ

تُرْدي الأَعادي وتَسْتَصْفي ممالكَهمْ ... وعونُك الماضيانِ: السَّيْفُ والقَدَر

فأَنت إِسكندرُ الدُّنْيا، بنُورِك قد ... تضاءل المُظْلمان: الظُّلْم والضَّرر

أَعدْتَ للدَّهر أَيّام الشباب وقد ... أظلَّه المُهْرِمان: الشَّيْبُ والكِبَر

وجاد غَيْثُ نَداك المسلمين فمِنْ ... سحابه المُغْنِيان: الدُّرُّ والبِدَر

وسِرْتَ سِيرةَ عَدْلٍ في الأَنام كما ... قضى به الصَّادقان: الشَّرْع والسُّوَر

فَفُقْ بنصرٍ على الكفار إنّهم ... يُرْديهمُ المُهْلِكان: الغَدْرُ والأَشرُ

ثَناهُمُ إِذْ رأَوْا إِقبالَ مُلْكهمُ ... إِليهمُ المُزْعِجان: الخَوْف والحَذَر

وما الفِرار بمنُجْيهم وخَلْفَهُمُ ... مِنْ بأسه المُدْرِكان: السُّمْرُ والبُتُر

وسوف يعفو غداً منهم بصارِمه ... وجيشِه المُخْبِران: العَيْنُ والأَثَر

ولو رَقُوا في ذُرى ثَهْلانَ أَسْلَمَهُمْ ... لسيفه العاصمان: الحِصْنُ والوَزَر

قضى بتفضيله عمَّنْ تقدّمه ... ما اسْتُودِع المُخبران: الكُتْبُ والسِّيَر

عَدْلٌ به أَمِنَ الشاءُ المُهَمَّل أَن ... يروعَه الضّاريان: الذئبُ والنَّمِر

وَجُودُ كَفٍّ إذا انْهَلَّتْ تفرَّقَ في ... تيّارها الزاخِران: البحرُ والمطر

مكارمٌ جُمِعَتْ فيه، توافَقَ في ... تَفْضيلها الأَكرمان: الخُبْرُ والخَبَر

فاسلم وعِشْ وابقَ للِإسلام ما جَرَتِ الْأ ... فلاك والنَّيِّران: الشمسُ والقمر

بنَجْوَةٍ من صورف الدهر يقصُر عن ... مَنالها المُفْسدان: الخَطْبُ والغِيرَ

المملوك لبعده عن خدمة مولاه قد أنكر الزمان، فما هو الذي كان، وأوهت الأيام ما أبقته من يسير قوته، واسترجعت ما أعارته من ضعيف نهضته، وأذاقته طعم الاغتراب، وأدخلت عليه الهم من كل باب، فهو في زاوية المنزل، عن كلمات الناس فيه بمعزل، فهو كما قال:

أَنا في أَهِل دمشق وهُمُ ... عددُ الرَّمْلِ وحيدٌ ذو انفراد

ليس لي منهم أَليفٌ وشَّجَتْ ... بيننا الأُلْفةُ أَسبابَ الوِداد

يحسبوني إنْ رأَوْني وافداً ... قد أَتاهم من بقايا قومِ عاد

وانفِرادي رَشَدٌ لي والهوى ... أَبداً يصرِف عن سُبْل الرَّشاد

وقد سألني أن أنتجز له مطلوباً عند الملك الناصر فكتب إلي يستحثني:

عمادَ الدّين مَوْلانا جَوادٌ ... مَواهبه كمُنْهَلّ السّحابِ

يُحكِّم في مَكارمه الأَماني ... ولو كلَّفْنَهُ ردَّ الشباب

وعُذرك في قضا شُغلي قَضاءٌ ... يُصرِّفه فما عُذْرُ الجواب

أخوه الأمير أبو الحسن

علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن منقذ:

<<  <  ج: ص:  >  >>