للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غداً أُومي إليكم من بعيدٍ ... كما يومي بإصبعه الغريق

الوأْواء الحلبي

شيخ بحلب قريب العصر منا. أنشدني الشيخ الفقيه عليّ بن الخيمي الواسطيّ بها، وكان شابّاً قد سافر إلى الشام وعاد في تلك المدة سنة أربع وخمسين وخمسمائة - وأنا حينئذٍ نائب الوزير عون الدين فيها - ولما وصلت إلى الشام سنة اثنتين وستين سألت عنه فقيل لي توفي من سنتين.

قال أنشدني الوأْواء الحلبي بحلب لنفسه في المناظرة:

طال فكري في جَهولٍ ... وضميري فيه حائر

يستفيد القولَ منّي ... وهو في زِيّ مُناظِر

وذكر أنه لقيه شيخاً مسناً، وأنشده لنفسه من قصيدة:

أبى زمني أنْ تستقرَّ بيَ الدّارُ ... وأَقسم لا تُقضى لنفسيَ أوطارُ

أَخِلاّيَ، كيف العدلُ والدَّهر حاكمٌ ... وكيف سُلوِّي والمُقدَّر أقدارُ

فما غِبتمُ عن ناظري فيراكُمُ ... ولم ينسَكُمْ قلبي فيحْدُثَ تَذكار

لئنْ غربَتْ شمس النّهار فمنكُمُ ... شموسٌ بقلبي ما تغيب وأقمار

تَجُنُّ الدَّياجي إذ تُحَلَّ ذوائب ... ويسطو نهار حين تُعقَد أزرار

وبي فرَقٌ بادٍ إذا ما تفرَّقوا ... ولي مدمع جارٍ إذا ما همُ جاروا

وماءُ جُفوني فاض من نار مُهجتي ... فمَن مُخبري هل تُجمَعُ الماءُ والنّار

لئنْ عِفتمُ نَصري إذا حلَّ حادثٌ ... فلي من دموعي في الحوادث أنصار

وأَقتَلُ داءٍ للفتى في حياته ... قَتيرٌ بدا في العارضَيْنِ وإقتار

الشيخ الزكي

أبو علي الحسن بن طارق الحلبي

من المتأخِّرين ذو نَظمٍ كاسمِه حسَنٍ حالٍ، وعِلمٍ عالٍ، وذكاءٍ ذكيّ، وأصل زكيّ. سافر إلى بلادنا تاجراً ببضاعتَي أدبه ونشَبه، عارضاً في سوق الفضل عقود دُرره وغُرره، ذكره السيد الشريف أبو الرّضا الرّاونديّ، فقال: أنشدني ابن طارق الحلبي لنفسه في الدار التي بناها بهاء الدين عبد الله بن الفضل بن محمود بقاشان. ومن العجيب أن ابن طارق لم يخرج من قاشان إلاّ بعد موته وكان بين نظمه هذه الأبيات وموت بهاء الدين أشهر قريبة:

عَمَرْتَ دارَ فَناءٍ لا بقاءَ لها ... ظَنّاً بأَنَّكَ عنها غيرُ مُنتقِلِ

أَتعبْتَ نفسَك، لا الدُّنيا ظفرتَ بها ... وأنتَ لا شكَّ في الأُخرى على وجَل

دارُ الإقامَةِ أوْلى بالعِمارة من ... دارٍ نعيمُكَ فيها غيرُ متَّصل

فاعملْ لنفسِك ما ترجو النَّجاةَ به ... فليس يُنجيكَ إلاّ صالحُ العمل

قال وأنشدني ابن طارق لنفسه:

لِعَيْنِكُمُ ما قد لقِيتُ وما ألقى ... وحُقَّ لمِثلي أن يبوحَ بما يَلقى

ترحَّلْتُمُ عنّي فلم تبْقَ لذَّةٌ ... يلَذُّ بها قلبي، وهيهات أن تبقى

وودَّعتموني فاستهلَّت مدامعي ... فلا ذكركم يُنسى ولا أَدمُعي تَرقا

شَقِيتُ بما لاقَيتُ بعد فِراقِكُمْ ... ومَن غِبتُمُ عنه فلا بدَّ أن يشقى

الشيخ أبو محمد الحسن بن إبراهيم

التَّنوخيّ

من المتقدمي العصر ذكره لنا سيدنا الأفضل عبد الرحيم بن الأُخوّة الشيباني البغدادي بأصفهان، وقال طالعتُ ديوانه وهو يشتمل على أكثر من عشر آلاف بيت فلم أختر منها غير عشرين بيتاً من جملتها:

لم يبْقَ من مهجتي شيءٌ سوى الرَّمَقِ ... واخجلتاه من الأحباب كيف بقي

ويا فؤادي وطَرفي قد أبحْتُكُما ... يومَ الرَّحيل نِهابَ الهمِّ والأَرق

ودَّعتُهم ودموع العين جاريةٌ ... والوجدُ قد ألهب الأنفاسَ بالحُرق

حتى لقد خِلتُ ماء البحر من نفسي ... يفنى ودمعي يَعُمُّ البرَّ بالغرق

وما افترقنا بملتفِّ الأراك ضُحىً ... حتى تعلَّقَ وهْجُ الشوق بالورق

وقرأت في مجموع بيتين لأبي محمد الحلبي وهما:

قالت وأَبثَثْتُها مُغازَلَةً ... أَذعتُه في بديع أشعاري

فضحتَني في الهوى فقلتُ لها ... أَخذتُ للبدر منكِ بالثار

<<  <  ج: ص:  >  >>