للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبني نُفاية إن سَعْدَكُم ... جاءت به الأيّام عن غلَطِ

قد صار هذا النّاس أَكثرُهم ... سقَطاً فكيف نُفايةُ السَّقَط

قال وله في غلام يسبح في نهر ثورا وهو يتجنَّب ويتجبَّن النزول في الماء:

يا واقفاً متحيِّراً ... في الماء من خوف الغرَقْ

أَجِرِ الغريقَ بدمعه ... ففؤادُه يشكو الحُرَق

مَنْ قال إنَّكَ مالكٌ ... رِقّ القلوب فقد صدق

الشَّعرُ أسودُ حالكٌ ... والثَّغْرُ مُبيَضٌّ يقَق

وكأنَّ طُرَّةَ رأْسِه ... ليلٌ أكَبَّ على قَلَق

هل في الورى أحدٌ رأى ... شمساً تبدَّت في غسق

ي لائمي في حبِّه ... ما اخترتُ ذاكَ بل اتَّفق

لا يأْمَنُ الإنسانُ في ... شُرْبِ الزُّلال من الشَّرَق

قال ابن رُواحة الشاعر ما رأيت أحداً أبلغ منه في محبة السنة وهو في حلب، وأنشدني له في شريفٍ بدمشق:

أَصبحتَ كالكِشْكِ في أَضْلَيْه مُفتخراً ... ويستحيلُ إلى ضُرٍّ وتخليط

ما أنت إلاّ كباناسٍ فأوَّلُه ... عذبٌ فراتٌ ومنه ماء قلّوط

وله في ابن أبي قيراط بديهةً:

يا ابن أبي قيراط لِمْ لَمْ تكنْ ... تَرعى حقوقَ ابن أبي درهَمِ

هذا وفيما بيننا نِسبةٌ ... مثلُ انتساب الكَفِّ والمِعصَم

وله مطلع قصيدة:

سأنفُضُ بُردي من جميع مطامعي ... فليستْ عَشِيّاتُ الحِمى برواجِعِ

[جرجس الفيلسوف الأنطاكي النصراني]

ذكره أبو الصّلت أُميّة في رسالته عند ذكر الطبيب اليهودي أبي الخير سلامة بن رحمون، قال وكان بمصر طبيب من أهل أنطاكية يسمى جرجس ويلقب بالفيلسوف على نحو ما قيل في الغراب أبو البيضاء واللديغ سليم، قد تفرغ للتولع به، يعني بابن رحمون، والإزراء عليه، يزوّر فصولاً طبية وفلسفية يبرزها في معارض ألفاظ القوم وهي مُحال لا معنى لها، وفارغة لا فائدة فيها، ثم يُنفذ بها من يسأله عن معانيها ويستوضح أغراضها، فيتكلم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ ولا تحفظ بل باسترسال واستعجال وقلة اكتراث فيؤخذ فيها عنه ما يضحك منه.

وأُنشدت لجرجس هذا فيه وهو أحسن ما سمعته في هجو طبيب:

إن أبا الخير على جهلِه ... يَخِفّ في كِفَّتِه الفاضلُ

عليلُه المسكين من شُؤْمِه ... في بحر هُلْكٍ ما له ساحل

ثلاثةٌ تدخل في دفعةٍ ... طَلْعَتُه والنعش والغاسل

قال أبو الصلت ولبعضهم يعني به نفسه:

لأبي الخير في العِلا ... جِ يدٌ ما تُقَصِّرُ

كلُّ من يَسْتَطِبُّه ... بعد يَوْمَيْن يُقْبر

والذي غاب عنكم ... وشَهِدْناه أكثر

وقال آخر في بعض أطباء عصرنا:

قل للوَبا أنتَ وابنُ زُهْرِ ... قد جُزْتُما الحَدَّ في النِّكايَه

ترَفَّقا بالورى قليلاً ... في واحدٍ منكما كِفايه

وقال آخر:

ما خطر النَّبْضُ على بالِه ... يوماً ولا يعرفُ ما الماءُ

بل ظنّ أنّ الطِّبَّ دُرّاعَةٌ ... ولِحيةٌ كالقُطنِ بَيْضَاء

وقال شاعر آخر في مثلهم:

وطبيبٍ مُجَرَّبٍ ماله بالنُّجْح في كلّ ما يُجرِّبُ عادَهْ

مرَّ يوماً على مريض فقلنا: ... قُرَّ عيناً، فقد رُزِقْتَ الشَّهاده

ولجرجس في هذا الطبيب:

جنونُ أبي الخير الجنونُ بعَينِه ... وكلُّ جنونٍ عنده غايةُ العَقْلِ

خذوه فغلُّوه وشُدُّوا وَثاقه ... فما عاقلٌ مَن يستهين بمُخْتَلِّ

وقد كان يؤذي الناس بالقول وحدَه ... فقد صار يؤذي الناس بالقول والفعل

أبو طالب عبد الله بن علي

بن غازي الحلبي

<<  <  ج: ص:  >  >>