للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشربْ فقد جادتِ الأوقاتُ بالفرح ... وأتحفتنا بأسبابٍ من المِنَح

من كفِّ ظبيٍ تخيّلناهُ حين بدا ... يحثّ في شربنا والديكُ لم يصِحِ

بدراً يُناولنا في الليل من يده ... شمساً من الرّاحِ في صبحٍ من القدحِ

أبو عليّ الفرج بن محمد بن الأخوة

المؤدّب البغدادي. من الشعراء المشهورين، مشهود له بالفضل الوافر، وحدّة الخاطر، واختراع المعاني الأبكار، وافتراع بنات الأفكار. كان أوحد عصره، في نظمه ونثره. سلس اللّفظ، رائق المعنى، سلس الأسلوب، ذو الدُرّ الجَلوب، والبِشر الخَلوب.

توفّي يوم الجمعة، رابع عشر جمادى الآخرة، سنة ستّ وأربعين وخمس مئة.

أنشدني الشيخ أبو المعالي الورّاق، قال: أنشدني أبو عليّ بن الأخوة لنفسه، وقد قصد بعض الرؤساء، فاحتجبه:

شكري لمحتجبٍ عنّي بل سببِ ... خوفاً من المدحِ شكرُ الروضِ للسّحبِ

أعادني والمحيّا ما أُريقَ له ... ماءٌ وخلّصني من كلفةِ الكذبِ

وله في غلام نصراني، علي ثوبٌ أحمر:

ومُزنّر فتنت محاسنُ وجهِه ... إذ زار في ثوب كلون العندمِ

ما زال يجهَد في هلاك حُشاشتي ... متعمّداً حتى تسربلَ من دمي

عاتبتُه يومَ الفِراق فقال لي ... أنا لا أرى رَعْيَ الذِّمامِ لمسلمِ

وله من قصيدة في شرف الدين أبي القاسم عليّ بن طراد الوزير، الزّينبي:

أقولُ لأحبابي وللعيسِ وقفةٌ ... وللبينِ فيما بيننا نظرٌ شزْرُ

هَبوني لعينٍ مات فيكم رُقادُها ... فليس له فيها حياةٌ ولا نشْرُ

لقد بلغتْ منّا النّوى ما تُريده ... وفرّقَ ما بيني وبينَكمُ الدّهرُ

بكيتُ على عصرِ الشباب الذي مضى ... بكاءَ لَبيدٍ ضمّ أرْبدَهُ القبرُ

فأثمر دمعي بالغرام كأنّما ... عليه لسِيما دمعه ورقٌ خُضرُ

ومنها:

إذا شرفُ الدّين استثار مدائحي ... تيقّنتُ أنّ الزّهرَ يُنبتُه القَطرُ

يملّى من الأيامِ والمجدِ والعلى ... مكارمُه شفْعٌ ومحتدُه وِترُ

وأدنيتَني حتى رفعتَ مكانتي ... كذاك بناتُ البحرِ موضعها النّحرُ

إذا ما رجا الإنسانُ عمراً لنفسِه ... رجوتُ لنفسي أن يطولَ لك العمرُ

ومنها:

نوالُهمُ في عاجلِ الحالِ لي غنىً ... وحبُهُمُ في آجلِ الأمرِ لي ذُخرُ

إليك ابنَ أعراقِ الثرى من قلائدي ... فرائدَ لا ينشقّ عن مثلِها البحرُ

قصائدُ تأتيكُم بكلّ غريبةٍ ... وكلّ مديحٍ دون مسموعِها هُجرُ

دقيقُ المعاني فيكمُ غيرُ ضائع ... كذا في دقيقِ السّلك ينتظمُ الدُرُّ

تحيّر فكري في القَريض فما درى ... أشعريَ فيك الوصفُ أم وصفُك البدرُ

وله:

خُذْ من شبابِك نوراً تستضيء به ... فالشّيبُ إصباحُه في اللهوِ إمساءُ

العمرُ عينان عينٌ منه مبصرة ... مع الشّبابِ وعينُ الشّيبِ عمياءُ

وربّ ليلٍ مريضٍ كنتَ صحّتَه ... عزّت أواسيهِ أو عزّتْه أدواءُ

يسيرُ فيه وفي قلبي أذىً وضنىً ... كأنّني دلَجٌ والسّوءُ إسراءُ

والشّهبُ ثغْرٌ وآفاقُ الظّلامِ فمٌ ... والقذْفُ لفظٌ وضوءُ الماءِ سحْناءُ

حتّامَ عينُك ما تنفكّ جاريةً ... ماءً ومُقلتُها بالبرقِ قمْراءُ

تضرّم البرقُ فيها وهي باكيةٌ ... كأنّها قبَسٌ من حولِه ماءُ

وله:

يا حاملَ السّيفِ الصّقيل مجرّداً ... في جَفنِه المعشوقِ لا في جفنِهِ

اللهَ في كلِفِ الفؤادِ كئيبِه ... والنارُ بين ضُلوعِه من حُزنِه

وسجنتَهُ في ناظريك تعمُّداً ... لتُميتَه وحويته في سجنِه

وله:

ولما أسرّتْ بالوَداعِ وقد دنت ... إليّ ودمعي في ثرى الأرضِ واقعُ

هو الدرّ لما أودعته بلفظِه ال ... مسامعَ ألقتها لدَيها المدامعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>