للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُدَّ الميازيبَ يا ابن فاطمة ... فقَلْعُها والمُكبّ في النّار

واغضبْ لها كالإمام حيدرةٍ ... لعمّه بالمهنّد القاري

إلاّ جحَدنا يومَ الغدير وقلْ ... نا إنّما الحق ليلة الغار

ومال مثلي إلى عتيق وأن ... كرتُ عليّاً بكلِّ إنكار

[القاضي المرتضى]

أبو محمد عبد اله بن القاسم بن المظفر بن علي بن الشهرزوري والد كمال الدين والقضاة الشهرزورية. القاضي من أهل الموصل، أحد الأئمة المشهورين، والفضلاء المذكورين، له شِعرٌ راقٍ ورَقَّ، معناه جَلَّ ودقَّ، مليح الوعظ، فصيح اللفظ، حسنُ السَّجع، لطيف الطَّبع، فاضلٌ عالم، من كلِّ ما يشين سالم، عبارتُه في شِعره عبرَت الشِّعرى العَبور، ورقَّته في نظمه أَصْبَتِ الصَّبا ورمت بالإدْبار الدَّبور، ضاعَ عَرفُه وما ضاع، وشاع فضله وذاع، له الخاطر المُطيع، القادر المُستطيع، قاضٍ قُضِيَ له بالفضل الوافر، وحاكمٌ حُكِمَ له بفطنة الخاطر، مرتضىً كلقبه، ما حواه من أدبه، كان يعظ ويحكم، وينثر وينظم. ووجدت من كلام القاضي المرتضى أبي محمد الشهرزوري رسالة سلك بها مسلك الحقيقة، وسبق أهل الطريقة، مشحونةً بأبياتٍ في رِقَّة السَّلسل والشَّمول، ودِقَّة الشَّمأَل والقَبول، فمنها قوله:

بدا لكَ سِرٌّ طال عنكَ اكتِتامُهُ ... ولاح صباحٌ كان منكَ ظلامهُ

فأنتَ حجاب القلب عن سِرِّ غيبهِ ... ولولاكَ لم يُطبَع عليه خِتامُه

وإن غِبتَ عنه حلَّ فيه وطنَّبَتْ ... على مَنكِب الكشف المَصون خِيامُه

وجاء حديثٌ لا يُمَلُّ سماعُهُ ... شهيٌّ إلينا نثرُه ونظامهُ

وقوله:

أهوى هواه وبعدي عنه بُغيَتُهُ ... فالبعدُ قد صار لي في حبِّه أرَبا

فمن رأَى دَنِفاً صَبّاً أخا شجَنٍ ... ينأَى إذا حِبُّه من أرضه قَرُبا

وقوله:

وجالتْ خيولُ الغَدر في حَلبة الهجرِ ... وفي شُعَبِ النُّعمى كمينٌ من المكرِ

وجاءت على آثار ذاك طلائع ... من الصدّ نحو القلب قاصدةً تجري

فعاودتُ قلبي يسأَل الصبر وقفةً ... عليها، فلا قلبي وجدتُ ولا صبري

وغابت شُموسُ الوصل عني وأظْلَمَتْ ... مسالكُهُ حتّى تحيَّرتُ في أمري

فما كان إلاّ الخطف حتّى رأَيتها ... محَكَّمةً والقلبُ في رِبْقَةِ الأَسْر

وقوله:

وناح غرابُ البين في مأْتَمِ الهَجرِ ... ورقَّقَ حتّى شَقَ أثوابَه صَبري

وبانوا فكم دمعٍ من الأسر أطلقوا ... نَجيعاً وكم قلبٍ أعادوا إلى الأسْر

فلا تُنكِرا خَلعي عِذاري تأَسُّفاً ... عليهم فقد أوضحتُ عندكمُ عُذري

وقوله على لسان الهوى للنفس وأعوانها، وينهاها عن طاعة هداها ويأْمرها باتّباع شيطانها:

كم عابدٍ في صَوْمَعَهْ ... أَخليتُ منها مَوضِعَهْ

وخدَعْتُه من بعدِ أَنْ ... قد ظنَّ أن لن أَخدعه

صارعتُه فأَرَيْتُه ... قبلَ التَّصادُمِ مَصرَعَهْ

وسلبتُهُ أحوالَهُ ... وأَخذتُ أَنْفِسَ ما معه

وتركتُه في حَيرَةٍ ... وحبسْتُ عنه أَدْمُعَه

وأَتى الصُّدودُ فبزَّهُ ... ثوبَ الوِصال وخلَّعَهْ

واجتاحَ حبلَ رجائه ... من بعد ذاكَ وقطَّعه

فتقبَّلوا نُصحي لكم ... واستفرغوا فيه السَّعَهْ

فعدُوُّكم لا يستري ... حُ فجانِبوا معه الدَّعَهْ

وقوله:

يا قلبُ هل يرجع دهرٌ مضى ... يجمعنا يوماً بوادي الغضا

وباجتماع الشَّمل يقضي لنا ... من كان بالبين علينا قضى

فتصبحُ الآمالُ مُخضَرَّةً ... فيهم وقد هبَّ نسيمُ الرِّضا

ويرجع الوصل إلى وَصلنا ... ويصبح الإعراضُ قد أَعرضا

وقوله:

مالوا إلى هجرنا ومَلُّوا ... ومِنْ عُقود العهود حَلُّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>