للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولستُ بآيسٍ مِن جَمْعِ شَملٍ ... وتعريجٍ على ذاك الجَنابِ

فكم من نازحٍ أمسى عَميداً ... وأصبحَ ذا سُرورٍ بالإيابِ

وقوله:

وَجْدُ قلبي على النَّوى لا يَزولُ ... وعُهودي كحُسنكمْ لا تَحولُ

ظَلَّ صدري لبَيْنِهمْ حَلْبَةَ الوَجْدِ، وجيشُ الغرام فيها يَجولُ

إنْ أَكُن عنكمُ تحَوَّل جسمي ... ففؤادي ما إنْ له تحويلُ

قد كساني هوى العِراقِ إليكمُ ... ثوبَ شَوقٍ يَشِفّ منه النُّحولُ

أنا في فتيةٍ لهم خضع الدَّهرُ ولكنْ بهم عليّ يصولُ

بوجوهٍ كالشمسِ حُسْناً، وأخلا ... قٍ لِطافٍ تُسْبى بهِنَّ العقولُ

وعُقودٍ صحيحةٍ في وِدادٍ ... ففؤادي بها صحيحٌ عَليلُ

وزمانٍ صافٍ ووقتٍ مُطيعٍ ... مُسْعِدٍ لا يعود فيما يُنيلُ

صِبْغُ ذاك الوِدادِ صِبْغَةُ أَصْلٍ ... ما لِلَوْنِ الخِضابِ منه نُصولُ

ابن الصائغ الجزَري

قرأت في مجموع بخط أبي الفضل بن الخازن البغدادي هذين البيتين منسوبين إليه:

قُبْحُ أعمالنا يَدُلُّ عليه ... قُبْحُ أعمالِ من يُوَلَّى علينا

لَوْ توَلّى القَضاءَ قِردٌ بأرض الصين ما دَحْرَجوه إلاّ إلينا

[الشيخ أبو نصر الحسن بن أسد الفارقي]

الحسن بن أسَد، حسَنُ القَول أسَدُّه، فارسُ النَّظم أسدُه، ذو اللفظ البليغ، والمعنى البديع، والخاطر السّريع، والكلام الصنيع، فلفظُه عَقْدُ عِقْد، ومعناه ليس بمعَقَّد، وجوهر صنعته في سلك الفضل غيرُ مُبَدَّد، فلله دَرُّ ذا الصّانع، ذي الدُّرِّ النّاصع، الذي تُنصِعُ جلود الحُسّاد منه في المناصع، اليومَ عدوُّ ابن أَسَدٍ ساءَ نبأً ودعم وَيلاً، وحَسوده جَرَّ من الخجل ذَيلاً، وفرَّ من الوَجَل ليلاً، حيثُ أَحْيَيْتُ ذِكرَه بإطرائي إيّاه، وكان ركَد وكَدَر ماؤه الصافي في منبع الفضل فأجريناه، وفي مَعين عين هذا الكتاب أنبعناه،، وفي سوق الكَساد ما بِعناه،، أَقدَمُ أهل العصر زَمانا، وأقومُهُم بالشِّعر صنعةً وبيانا، كان في زمان نظام المُلك ومَلِكْشاه، وشملَه منهما الجاه، بعد أن قُبِضَ عليه، وأُسيءَ إليه، فإنَّه كان مُتولِّياً على آمِدَ وأعمالها، مُستبِدّاً باستيفاء أموالها، فخلَّصه الكامل الطبيب، وقضى أربه ذلك الأريب، فنشرع في الإشعار بأشعاره، ونشرح فيها بعضَ شِعاره، ولا ندع هذا المهِمَّ لا مهملاً ولا مُجمَلا، ونُملي من فوائده ما يملأُ المَلا مُفَصَّلا، أُودِعَ فَصَّ الفَصاحة خاتِمُ كَلِمِه، ونشر في معالم علمه خافقُ علَمه، وشَتْ عِبارته بالطِّيب وشْيَ العبير، ووشتْ في الحُسنِ وَشْيَ التَّعبير، وزَعَتْ كلَ كلامه الأَفهام، وهامت في استحسانه الأوهام، وكان يَنظِمُ الشِّعرَ طبعاً ويتكلَّف الصَّنعةَ فيه، ويلتزم ما لا يلزم في رَوِيِّه وقوافيه، وكانت له نفسٌ كلُّ نفسٍ بكرمها مُعتدّ، ونفَسٌ طويلٌ في النَّظم مُمْتَدّ، سائرٌ شِعرُه، شائعٌ ذِكره، يقع في منظومه التَّجنيس الواقع، الرَّائقُ الرَّائع، وكان من فحول الشُّعراء في زمانه، ومن المُغَبِّرين في وُجوه أقرانه، له في الشَّمعة:

ونديمةٍ لي في الظَّلامِ وَحيدة ... مِثلي، مجاهدة كمِثل جِهادي

فاللَّون لوني والدُّموعُ كأَدمُعي ... والقلبُ قلبي والسُّهادُ سُهادي

لا فرقَ فيما بيننا لو لم يكن ... لهبي خَفيّاً وهو منها بادِ

وله:

أَريقاً من رُضابِكِ أم رحيقا ... رشَفْتُ فلستُ من سُكري مُفيقا

وللصَّهباء أَسماءٌ ولكن ... جهِلْتُ بأنَّ في الأسماء رِيقا

حَمَتني عن حُمَيّا الكأْسِ نَفْسٌ ... إلى غير المعالي لن تتوقا

وما تَركي لها شُحّاً ولكن ... طلبتُ فما وجدْتُ بها صديقا

وله:

وإخوانٍ بَواطِنُهُمْ قِباحٌ ... وإنْ أَضْحَتْ ظواهرُهُمْ مِلاحا

حٍبْتُ مِياهَ وُدِّهِمُ عِذاباً ... فلمّا ذُقتُها كانت مِلاحا

وله:

يا بدرَ تِمٍّ ما بدا ... للناس رونقُه ولاحا

<<  <  ج: ص:  >  >>