للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إفهمْ هُديتَ ففي فؤادك عاذِلٌ ... إنْ لاحَ فيه سَنا الحقيقة لاحى

ليصُدّ عنها إنّها غَبَشُ الهوى ... يَغْشَى فِناه فيمنعُ الإيضاحا

والعقلُ من غَبَش الخيال عِقالُهُ ... فإن انجلى انحلَّ العُقال فَساحا

في مَهْمَهٍ للحقِّ مهما سافرت ... فيه العقولُ أعادها أرواحا

في روضِ رِضوانٍ وَنَضْرة نعمةٍ ... نظراً إلى الوجه الكريم مُباحا

وفوائد شيخنا محمد الفارقي رحمه الله أكثر من أن تُحصر أو تُختصَر، ووصفه الشيخ أبو المعالي سعد الحظيري الورّاق في آخر مجلّد جمعه في كلامه وقال فيه: شيخٌ قتل الدنيا خُبراً وعلماً، وقبِل منها ما كان خيراً وغُنماً، فركب غارِب الزهد في الزهيد، وارتقب عازب الوعد والوعيد، وقطع لسان دَعاويه، ومنع سلطان عواديه، وقمع شيطان دواعيه، فظهر مخفيُّ الغيب، لمَنفيِّ العيب، فاستجلى ما استحلى من أبكاره، واستصحب ما أصحب مع نِفاره، وحلاّها بأحلى الحُلى، ومال بها إلى المَلا، وخطب بها في الأحياء، وخطب لها الإحياء، وما رقا بها على منبر، بل رقا بها على مَن برّ، فمن استقبل قِبَلها، وتوجّه قِبَلها، رفعته جواذب بلافِكها، إلى مراتب أرائكها، فرأى من كفر النقصُ أنوارَ بيّنته، وأظهر الفحصُ أسرار نيّته، وهان عليه من الدنيا ما هال، وحان لديه من الأخرى ما حال، ومان العائلة، وأمِن الغائلة، واستوجب مِنّة من اقتدى بأنوار حِكَمِه، واهتدى بآثار كَلِمه، أنْ يلقاه حيّاً بالحُرمة، وأن يغشاه مَيْتَاً بالرّحمة، والتوفيق بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ديار بكر

أبو نصر أحمد بن يوسف المنازيّ الكاتب

قال أبو المعالي الحَظيري: أنشدتُ له:

ولي غلامٌ طال في دِقّةٍ ... كخَطِّ إقليدِسَ لا عَرْضَ لهْ

وقد تناهى عقلُه خِفّةً ... فصار كالنُّقطة لا جُزءَ لهْ

وله:

غزالٌ قَدُّه قدٌّ رَطيبُ ... يَليق به المدائحُ والنَّسيبُ

جَهِدْتُ فما أصبتُ رِضاه يوماً ... وقالوا: كلُّ مُجتهدٍ مُصيبُ

وله:

ومُبْتَسمٍ بثَغرٍ كالأقاحي ... وقد لَبِسَ الدُّجى فَوْقَ الصَّباحِ

له وجهٌ يُدِلّ به وَعَيْنٌ ... يُمَرِّضُها فيُسْكِرُ كلَّ صاحِ

وَتَثْني عِطفَه خَطَرَاتُ دَلٍّ ... إذا لم تَثْنِه نَشَوَاتُ راح

يميلُ مع الوُشاة وأيُّ غُصنٍ ... رطيبٍ لا يميل مع الرياحِ

أبو نصر بن الدّندان الآمدي

من المتأخرين، سمعت الشيخ الزكيّ البائع يحيى بن نزار البغدادي من كبار الباعة بها يصفه، ويستحسن نظمه ويستطرفه، أنشدني له أبياتاً لطيفةً في الهجاء، غريبةً بليغةً في الطبقة العليا من البلاغة، والمبالغة في المعنى وحسن الصيغة والصِّياغة، وهي:

قالوا أتمدَحُ أقواماً وأُمُّهمُ ... مَن قد عَرَفْتَ، فتُطْغيهم بلا سببِ

فقلتُ: لا تحرُقوني بالمَلام فما ... أَشْفَقتُ من هَجْوِهمْ إلاّ على نسبي

لأن أمَّهمُ ما فاتها أحدٌ ... فخِفتُ من أن يكونوا إخوتي لأبي

قلتُ لَعَمْري قد بالغ وأحسن وما قصّر، لكنه نسب والده إلى الخَنا، وقذفه بالزنا، حيث اعتقد أن أباه أبوهم، فلذلك لا يهجوهم، وإذا كانوا إخوته من الأب فقد شاركهم اللؤم لأجل النسب، والشعراء لا يؤاخذون في الهجاء، بأمثال هذه الأشياء.

[ابن الفضل من أهل آمد]

من المتأخرين، كنت مع جماعة من أصدقائي الفضلاء، ببغداذ وجرى حديث الشعراء، وأنشد بعضهم منظومات لابن الفضل البغدادي، فقال آخر: كنتُ بآمد ورأيت هناك بعض المتأدّبين يُعرف بابن الفضل، وأنشدني له رباعية وهي في غاية من التجنيس والتطبيق:

طَرْفِي الجاني إليكِ قد أَلْجَاني ... حتى جَلَبَ العَنا لقلبي العاني

يا جَنّةَ مُهْجتي ويا نيراني ... ما أَسْعَدني فيكِ وما أَشْقَاني

[الكامل محمد بن جعفر بن بكرون]

[الآمدي]

أنشدني الشيخ العالم محمد الفارقي سنة إحدى وستين قال: أنشدني محمد بن بكرون لنفسه:

<<  <  ج: ص:  >  >>