للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما استلذّوا مَوْتَهم بعَذابه ... وَعَيْشَهمُ في عُدْمِه سألوا الرُّجعى

إذا فقدوا بعض الغرام توَلَّهوا ... كأنَّ الهوى سَنَّ الغَرامَ لهم شَرْعَا

وقد دفعوا عن وَجْدِهمْ كلَّ سَلْوَةٍ ... ولو وَجَدَتْه ما أطاقَتْ له دَفْعَا

وطاب لهم وَقْعُ السِّهام فما جَلَوْا ... لصائبها بِيضاً ولا نسَجوا دِرْعا

فكيفَ يُعَدُّ اللَّوْمُ نُصْحاً لَدَيْهمُ ... إذا كان ضُرّ الحُبّ عندهمُ نَفْعَا

ومنها:

خَلا الرَّبْع من أحبابِهم، وقلوبُهمْ ... مِلاءٌ بهم، فالرَّبْعُ مَن سأل الرَّبْعا

سَلِ الوُرْقَ عن يوم الفِراق فإنّهُ ... بأَيْسَرِ خَطْبٍ منه عَلَّمَها السَّجَعا

إذا صَدَحَتْ فاعلَمْ بأنّ كُبودَها ... مُؤَرَّثَةٌ غَمّاً تُكابده صَدْعَى

وذاك بأنّ البَيْنَ بانَ بإلْفِها ... وكيف ينالُ الوَصْلَ من وَجَدَ القَطْعا

وأهلُ الهوى إنْ صافحَتْهُم يدُ النَّوى ... رَأَوْا نَهْيَها أمراً وَتَفْريقَها جَمْعَا

رعى وسقى اللهُ القلوبَ التي رَعَتْ ... فَأَسْقَتْ بما أَلْقَتْ وأخرجَتِ المَرْعى

وحَيّا وأحْيا أَنْفُساً أَحْيَتِ النُّهى ... وحَيَّتْ فَأَحْيَتْنا مَناقِبُها سِمْعا

سحائِبُ إنْ شِيمَتْ عن المَوْصِلِ التي ... بها حَلَّتِ الأنواءُ أَحْسَنتِ الصُّنْعا

أوائِلُها من شَهْرَزورٍ إذا اعْتَزَتْ ... جزى اللهُ بالخيرِ الأراكة والفَرْعا

وَجَدْتُ الحَيا عنها بنُجْعَةِ غيره ... فَأَعْقَبَنا رَيَّاً وأحْسَبَنا شِبْعا

ونِلْنا به وِتْرَ العطاء وَشَفْعَهُ ... كأنّا أَقَمْنا نحوه الوتْرَ والشَّفْعا

وللحصكفي من قصيدة:

أتُرى عَلِموا لمّا رحلوا ... ماذا فعَلوا أمْ مَن قتَلوا

خدَعوا بالمَيْنِ قَتيلَ البَيْنِ فدمعُ العَين لهُم ذُلُلُ

وبسَمْعي ثَوَّرَ حادِيهِمْ ... وبعيني قُرِّبَتِ البُزُلُ

فمتى وصَلوا حتى قطَعوا ... ومتى سمَحوا حتى بَخِلوا

قد زاد جنونُ النَّفسِ بمَنْ ... للعقل محاسنُه عُقَلُ

إن قام أقام قيامَتها ... أو جالَ فَجَوْلتُه الأجَلُ

كقَضيبِ البان وفي الأجفا ... ن من الغِزلانِ له مثَلُ

أشكو زَمَنَاً أَوْلَى مِحَناً ... وجنى حَزَنَاً فَعَفَتْ سُبُلُ

العلمُ يُهانُ وليس يُصا ... ن فأيُّ لسانٍ يَرْتَجِلُ

وله من رسالة: للقلوب من دون أستار الغيوب، أطال الله بقاء القاضي، حَواسّ سلمتْ مطالعُها، وعُدمت موانعها، فلا يوقر سامعها، ولا يعشى طامعها، لأنها صفت فوُصفت، وسرحت فشُرحت، فهي تستمد القوى من أنوار ذواتها، وتتلقّاها من فيض أدواتها، وتلك لأهل الأحوال، وأنا منها على الأقوال، وأخرى تطالعها الأنوار من مظانّها، في مكامنها، وتتّصل بها القوى لدى مساكنها، من معادنها، لأنها قُصرت فنُصرت، وحُصرت فبُصرت.

كالشمس لا تبتغي بما صَنَعَتْ منفعةً عندهم ولا جاها

[ومنها في التجنيس المنعكس وكل كلمة مشتقة من أختها:]

فالنفس بعقود التذرُّع حالية، ولقعود التعذّر حائلة، ومن الودائع المُعجزة مالية، وإلى الدواعي المزعجة مائلة، وفي بحار الحمد راسية، وفي رحاب المدح سائرة، تجمح إلى مواصلة القمر، وتُحجم عن مصاولة القرم، لتكفّ بإظفار الأمل، وتفك بأظفار الألم، فهل كامل يُعني، ومالك يُعين، ومقتصِد يدني، ومتصدِّق يُدين، فالرغبة إلى الشهُب، من الغُربة في الشبه، رغبة مَن قصد بالإلهام، مواقع السحاب الهام، وورد شريعة الإفهام، لظما الإبهام، وتعرّض لمعان دقَّتْ عن الأفهام، ورقّت فترقّت عن الأوهام.

وله وقد أودعها رسالةً:

قُمْ سَقِّني صَفْوَها يا صاحِ والعَكَرا ... مُدامَةً تُذهِبُ الأحزان والفِكَرا

ويا نَديمي تنَبَّهْ إنّما سَكَني ... مَن لا يَلَذُّ على حُبِّ السُّلافِ كَرا

<<  <  ج: ص:  >  >>