للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَيْمومةٍ للجِنِّ فيها زَمازِمٌ ... كما رَجَّعن يوماً بألحانها الزُّطُّ

وذكر علم الدين الشاتاني أنه انحدر إلى بغداد، وقصد العم الصدر الشهيد عزيز الدين بها ومدحه بقصيدة أولها:

تطاوَلَ هذا الليلُ وهو قصيرُ ... وبِتُّ أُراعي النَّجمَ وهو يَسيرُ

فقرّبه وولاّه، وأسدى إليه الجميل وأولاه، وناب عن ضياء الدين الكفرثوي، في حالتي وزارته للأمير الأحدب طغان رسلان، ولأتابك زنكي، وتوفي ابن الكميت قبل الوزير في سنة خمس وثلاثين، وله بنون فيهم الفضل والرئاسة، وديوان شعره موجود بالموصل وعند أولاده، ومن شعره:

سَلْ وأَسِلْ إن لم تَصُب دمعاً دما ... عينُك في الدار أُثَيْلاتِ الحِمى

والعلَمَ الفَرْدَ وباناتٍ به ... ظلائل، سقى الغمامُ العلَما

ومنها:

وا كبدي وأين منّي كبدي ... ماعَتْ فصارت ليَ في العين دما

//باب في ذكر محاسن فضلاء الحجاز واليمن وقد ألحقت بالقسم الثالث شعراء الحجاز وتهامة واليمن، وأوردت مما سمعته من شعرهم الأحسن، وجعلت القسم الرابع لمصر والمغرب، وأثبت فيه المعرب المغرب، المعجب المطرب، ورأيت تأخير هذا الإقليم، الذي هو أولى بالتقديم، صيانة لمنزل الوحي ومهبط الذكر القديم، عن كلام البشر النظيم، فتيمنت في خاتمة القسم الثالث باليمن، ونظمتها في سلكه، فإن ملكها الآن لمالك الشام وتوأم ملكه، فإنها معدودة من مملكة بني أيوب، الذين عصموها من النوائب العصل النيوب، وملأوها بالمفاخر وفرغوا عيابها من العيوب، لقد تملأت اليمن يمناً، وعادت عدنها عدناً، وذهبت زبد زبيدها الجافية جفاء، وصارت أرض سباها العافية سماء، وطلع بها شمس الدولة شماً أبدى نور نجدها وغورها، وجلا بسنا إحسانه وعدله ديجور جورها، فآثرت إيرادها بين الشام ومصر واسطة لعقدهما، ورابطة لعقدهما.

[تمهيد تاريخي]

يعرض العماد في هذا القسم - قسم الحجاز وتهامة - أسماء عدد من الشعراء، وأكثر هذه الأسماء لا يقتصر على الجانب الأدبي وإنما يجاوز ذلك ليتصل بالأحداث التاريخية، أو يشارك فيها، أو يكون جزءاً منها.

وقد يشير العماد إلى هذه الأحداث إشارة خافية أو خاطفة، وتدفع المختارات الشعرية ذاتها إلى استحضارها والتعرف إليها، وأكثر ما تكون هذه المختارات في هؤلاء الولاة والأمراء والأشراف العلويين الذين كانت لهم ولاية مكة والغلبة عليها في هذه الفترة، والذين كان تاريخهم - في منازعاتهم فيما بينهم، أو خصوماتهم فيما بينهم وبين بغداد والقاهرة - وهو تاريخها.

وعلى ذلك فإن الصلات بين أسماء الذين كانوا يقولون الشعر أو الذين كان يقال فيهم الشعر وبين الأحداث التي كانت تدفع إلى هذا الشعر، لابد أن تكون بينة واضحة، حتى يكون عملنا في تحقيق التراث ونشره مجزئاً مجدياً.

ولعل هذا أن يكون هو الذي دفعني إلى أن أقدم بين يدي هذه التراجم بهذا التمهيد التاريخي.

وإنما أردت منه أن أرسم، في خطوط سريعة واضحة، هذا الإطار الزماني أولاً، وأن أضع كلاً من أصحاب هذه التراجم - والذين تشير إليهم - في موضعه من هذا الإطار وفي مكانه من الأحداث ثانياً، وأن أكشف عن صلات ما بين الأحداث والأشخاص ثالثاً، ثم أأتجنب أخيراً، في خلال النص، تكرار الهوامش وتباعدها وانقطاع ما بينها وإحالة بعضها على بعض.

وحرصت في هذا التمهيد على أن أعرض الأحداث في تتابعها وترابطها، وأن أرسم جداول الأسر في بدايتها وتعاقب أفرادها وانقطاعها، واعتمدت في ذلك كله على ما وقع إلي من كتب الأدب والتاريخ، منطلقاً من إشارات العماد ومختاراته.

[الأشراف العلويون ولاة مكة]

بدأ الأشراف العلويون الحسنيون الولاية على مكة منذ أوائل النصف الثاني من القرن الرابع، وأول من وليها منهم الموسويون، ويقال لهم بنو موسى، الحسنيون، وأولهم: جعفر بن محمد بن الحسين الأمير بن محمد الثائر - لأنه ثار بالمدينة زمن المعتز بن المتوكل، ويقال له محمد الأكبر - بن موسى الثاني بن عبد الله الصالح بن موسى الجون ابن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

وقد غلب جعفر على مكة بعد موت كافور الإخشيدي سنة ٣٥٦ وقبل أن يملك الفاطميون مصر، فلما ملك المعز الفاطمي كتب له بولاية مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>