للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلأَشْكُرَنْ بَيْنَ البَرِيَّةِ مُعْلِناً ... شُكْرَ الرِّياض تَجُودُها الأَنْواءُ

أَنا عَبْدُ أَنْعُمِك التي ماشانَها ... مَنٌّ ولا مَطْلٌ ولا إِكْداءُ

مْملوكُ رِقِّك وابنُ مُلْكِ أَبيك لم ... تَجْنَح بيَ الأَغْراض والأَهواءُ

إِن عَدَّ قَوْمٌ في الورى آباهُمُ ... فَبِرِقِّكُم تسمو بنا الآباءُ

هُنِّيتَ عيدَ الفِطْرِ أَنَّك عيدُه ... وله بشخصكَ حيثُ كنتَ هَناءُ

واسلمْ، وإِنْ رَغِمَ، الْحسودُ، بغبْطَةٍ ... تَبْقى إذا عَمَّ الأَنامَ فَناءُ

[حجة الدين المكي الأصل المغربي المنشأ]

هو أبو عبد الله محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر سكن الشام في الشطر الأخير من عمره، وقرط أسماع المستفيدين بدره، وكان إمام وقته في التفسير والأدب، رأيته بحماة مقيما، ونفوس طلبة العلم إليه هيما، توفي سنة سبع أو ثمان وستين وخمسمائة بحماة وله التصانيف الحسنة، والمجموعات المدونة، ومن جملة كتبه: سلوان المطاع في عدوان الأتباع، طالعته فوجدته كتاباً مفيداً مشتملاً على حسن معنى ولفظ، وذكر تنبيه ووعظ، صنفه إبان مقامه بصقلية، سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ويشكر في خطبته القائد الذي صنعه باسمه ويقول: بارك الله له فيما ألهمه كسبه، وكان وليه وحسبه، فلقد أنزل الدنيا بدرك منزلتها، وكوشف بشرك مزلتها، فعمل للبقاء لا للفناء، وجمع للجود لا للاقتناء وجاد لله لا للثناء، وآخى للتعاون على البر والتقوى، لا للتهافت في هوى الهوى، وزان الرياسة بنفس لا تضيق بنازلة ذرعا، ولا تصغي إلى الوشاة سمعا، ولا تدنس بطبع طبعا، وبحلم لا يرفع الغضب لديه رأساً، وحزم لا تخاف الإيالة معه بأساً، فالحمد لله الذي أباحني من إخائه حمى منيعاً، وحرماً أميناً، ومرتعاً مريعا، وورداً معيناً.

فنحن بقَرْبه فيما اشْتهيْنا ... وأَحْببنا وما اخْتَرْنا وَشينا

يقَينا ما نعافُ وإِن ظنَنّا ... به خيراً أَراناه يقَينا

نميلُ على جوانبه كأَنّا ... إِذا مِلْنا نَميل عَلَى أَبينا

وأقسم لولا أن الشكر عقد شرعي، وحق مرعي، لأقررت عينه بطي ما نشرت، والتورية عما إليه أشرت، إذ كان وقاني الله بعده، ولا أبقاني بعده، يرى أن الشكر في وجوهى آلائه ندوب، والمدح من خواص أوليائه ذنوب.

ومن نثره ونظمه في التفويض أسجاع وأبيات حكمية.

فمن النثر: معارضة العليل طبيبه، توجب تعذيبه. إنما الكيس الماهر، من استسلم في قبض القاهر. إذا كانت مغالبة القدر مستحيلة، فمن أعوان نفوذه الحيلة. إذا التبست المقادر، ففوض إلى القادر.

ومن الشعر قوله:

أَيا مَنْ يُعَوِّلُ في المْشكلات ... عَلَى ما رآه وما دَبَّرَهْ

إذا أَشْكَلَ الأَمرُ فابرأْ به ... إِلى من يرى منهُ ما لَمْ تَرَهْ

تَكُنْ بينَ عَطْفٍ يَقيك الْخُطوب ... ولُطْفٍ يهوِّنُ ما قَدَّرَهْ

إِذا كنتَ تجهل عُقْبى الأْمور ... ومالك حَوْلٌ ولا مَقْدُرَهْ

فلمْ ذا الْعَنا وعَلامَ الأَسى ... وَمِمَّ الحِذارُ وفيمَ الشَّرَهْ

وقوله:

يا رُبَّ مُغْتَبِطٍ ومَغْ ... بوطٍ برأْيٍ فيه هُلْكُهْ

ومُنافِسٍ في مَلِك ما ... يُشْقيهِ في الدَّارَيْن مُلْكُهْ

عِلْمُ العَواقِب دونَه ... سِتْرٌ وليس يُرامُ هَتْكُهْ

ومُعارِضُ الأَقدار بالْ ... آراءِ سَيْئُ الْحالِ ضَنْكُهْ

فكُنِ امرءاً مَحَضَ اليقي ... ن وَزَيَّف الشُّبُهاتِ سَبْكُه

تَفْويضُه تَوْحيدُه ... وعِناده المِقْدارَ شِرْكُهْ

وفي سلوانة التأسي: التأسي جنة البلاء، وسنة النبلاء. التأسي درج الاصطبار كما أن الجزع درك التبار.

ومن سلوانة الصبر قوله:

عَلى قَدْرِ فضل المرءِ تأْتي خُطُوبُه ... ويُعْرَف عند الصَّبْر فيما يُصِيبهُ

ومَنْ قَلَّ فيما يَتَّقِيه اصطبارُه ... فقد قَلَّ فيما يَرْتجيه نَصِيبُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>