للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راعَك الزُّهْدُ إِنَّما الزُّهْد رَفْضٌ ... لِفُضولٍ تَلْهي وتُطْغي وتُرْدي

ثم لا تُمْكِنُ الزَّهادةُ في الْمَقْ ... سوم رِزْقاً بل في ضُروب التَّعَدّي

مَرْحَباً بالكَفافِ عَيْشاً هَنيئاً ... ثم لا مَرْحباً بحرصٍ وكَدِّ

ما عَلِمْنا، وقد رأَينا كثيراً ... وسَمِعنا، مَنْ حاز جَداً بِجِدِّ

لا يَزالُ الْحَريص يَسْتامه الحِرْ ... صُ بنُصْب من الشَّقا وبِكَدّ

ثم لا يستطيع أَنْ يَتَعَدّى ... قَدَراً ما لِحُكْمِهِ من مَرَدِّ

وقال في آخر الكتاب: أعوذ بالله من عذاب الإعذاب، كما أعوذ به من حجاب الإعجاب، وأستكفيه عول السؤال كما أستعفيه غول الجواب، وأستدفع به فساد الخطأ كما أستدفع به كساد الصواب.

ومن ملتقطات حكم الكتاب المودعة فيه: الدنيا قريب سلبها من سلمها، وخطفها من عطفها. التنعم في الدنيا يضاعف حسرة زيالها، ويؤكد غصة اغتيالها. المال كالماء، فمن استكثر منه ولم يجعل له مسرباً ينسرب به ما زاد على قدر الحاجة غرق به. المواساة في المال والجاه عوذة بقائهما. الموثوق موموق، والأمين، بالمودة قمين. كن من عينك على حذر، فرب جنوح حين، جناه جموح عين. ما أحرى الملول، بأن يحرم المأمول. السآمة من أخلاق العامة، لا من أخلاق السامة. التنقل من خلة إلى خلة، كالتنقل من ملة إلى ملة. من لزم الرقاد، حرم المراد. من بلغ من اليسار ما فوق قدره تنكر لمعارفه. اليسار مفسدة للنساء لغلبة شهواتهن على عقولهن. أمران يسلبان الحر كمال الحرية: قبول البر، وإفشاء السر. إذا أمكنت عدوك من أذنك فقد تعرضت للغرق في بحره، والحصول في وهق سحره. من تسرع إلى الأمانة، فلا لوم على من اتهمه بالإضاعة، ومن تسرع إلى المشاركة في السر، فلا لوم على من أتهمه بالإذاعة، ومن تنصح قبل أن يستنصح، فلا لوم على من اتهمه بالخداع، ومن عني بكشف ما ستر عنه فلا لوم على من اتهمه بخبث الطباع. أصعب ما يعانيه الإنسان ممارسة صاحب لا تتحصل منه حقيقة. إحذر مقارنة ذوي الطباع المرذولة، لئلا تسرق طباعك من طباعهم وأنت لا تشعر. من غرس العلم اجتنى النباهة، ومن غرس الزهد اجتنى العزة، ومن غرس الإحسان اجتنى المحبة، ومن غرس الفكرة اجتنى الحكمة، ومن غرس الوقار اجتنى المهابة، ومن غرس المداراة اجتنى السلامة، ومن غرس الكبر اجتنى المقت، ومن غرس الحرص اجتنى الذل، ومن غرس الطمع اجتنى الخزي، ومن غرس الحسد اجتنى الكمد.

أول الهوى هون وآخره هون. الهوى طاغية فمن ملكه أهلكه. الهوى كالنار إذا استحكم اتقادها، عسر إخمادها، وكالسيول إذا اتصل مدها تعذر صدها. ليس الأسير من أوثقه عداه أسراً، إنما الأسير من أوبقه هواه قسراً، وأرهقه خسراً. الغريب ميت الأحياء، قد أعاده البين، أثراً بعد عين. العاقل يقدم التجريب على التقريب، والاختبار على الاختيار، والثقة على المقة. الرأي سيف العقل. أفضل الرأي ما أجادت الفكرة نقده، وأحكمت التروية عقده. كل رأي لم تتمخض به الفكرة ليلة كاملة فهو مولود لغير تمام. رب حيلة، أنفع من قبيلة. السلطان في حال اضطراب أموره كالبحر في حال هيجه لا ينبغي أن يقرب.

وذكر في صدر الكتاب أن السلوان جمع سلوانة وهي خرزة تزعم العرب أن الماء المصبوب عليها إذا شربه المحب سلا.

ومبدأ خطبة الكتاب: الحمد لله جاعل الصبر للنجاح ضمينا، والمحبوب في المكروه كميناً، الذي ضرب دون أسرار الأقدار حجاباً مستوراً، وقضى أن الخير على الفطن لا يزال حجراً محجورا.

ولهذا حجة الدين كتب مصنفة من جملتها درر الغرر أودعه أنباء نجباء الأبناء، وكان شخصاً عزيزاً، قد برز في العلوم على علماء عصره تبريزا.

محمد بن عيسى اليماني

<<  <  ج: ص:  >  >>