للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنشدني أبو المعالي له في الموجَّه:

أراه لبُغضِه عَمراً ... يصغّرُه ويجلُدُه

وذكر لي عبد الرحيم بن الأخوة: أنّه كان بزّازاً، وكان يمدح أنوشَرْوان بن خالد.

وقال: وجدت له بيتين، وكتبتهما، وهما:

قصدتَ ربْعي وتعالى به ... قدري فدتك النّفسُ من قاصدِ

وما أرى العالم من قدره ... بحراً مشى قطّ الى واردِ

وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي الفضل بن الخازن لأبي محمد بن حِكّينا، في واعظ:

يُعيد ما قال أمسِ في غدِه ... بلا اختلافِ المعنى ولا اللفظ

حضرتُ بعضَ الأيام مجلسَه ... فكلّ ما قاله على حفظي

وله في أنوشروان الوزير، وقد ردّه:

قد جئتُ بابني فاعرِفوا وجهه ... ليأخُذ النائلَ من بعدي

فليس في التّقدير أني أرى ... قبلَ مماتي ساعةَ الرِفدِ

وله:

ولم أجْنِ ذنباً في مديحِ امرئٍ ... قابلَ شعري بالمواعيدِ

إن قلت بحرٌ فبِما نالني ... من هولِه أيامَ ترديدي

أو قلت ليثٌ فبتكليحه ... إذا أتاه طالبُ الجودِ

وله في ولده:

إبني بلا شكّ ولا خُلفِ ... في غاية الإدبارِ والحُرْفِ

أنّه الحبّالُ في مشيهِ ... يزدادُ إقبالاً الى خلْفِ

وله في أمين الدولة ابن التّلميذ:

لموفّقِ المُلكِ الأجلّ يدٌ ... حسبي بفيض نوالِها وكفى

سكن المجرّة واستهلّ ندىً ... وكذا الغمامُ إذا علا وكفا

لم آتِ أستكفيهِ حادثةً ... إلا تهلّلَ بِشرُه وكفى

ولولده فيه:

إذا افتخر الناسُ في مجلس ... فإني بترك افتخاري خليقُ

لقد جرّ كونُك لي والداً ... عليّ من الذُلّ ما لا أُطيقُ

ولوالده أبي عبد الله أحمد بن حِكّينا قرأت في تاريخ السّمعاني بخطّه: كانت له معرفة بالأدب، وكان شاعراً تلميذاً لأبي علي بن شبل الشاعر، قال: قرأت بخطّ أحمد بن محمد بن الحُصَين، أنشدنا أبو عبد الله بن حِكّينا لنفسه:

إذا جفاك خليلٌ كنتَ تألَفُه ... فاطلُبْ سواهُ فكلّ الناسِ إخوانُ

وإن نبَتْ بك أوطانٌ نشأتَ بها ... فارحَلْ فكلّ بلادِ اللهِ أوطانُ

لا تركَنَنّ الى خِلّ ولا زمنٍ ... إنّ الزّمان مع الإخوانِ خوّانُ

واستَبْقِ سرّكَ إلا عن أخي ثقةٍ ... إنّ الأخِلاّءَ للأسرارِ خُزّانُ

المهذّب بن شاهين

كان ممن خدم عمي العزيز، وكان عاملاً بنهر فروة ونهر رجا، فبانت عليه خيانة، فكتب الى العزيز:

قُل للعزيز أدامَ ربّي عزّه ... وأنالَه من خيره مكنونَهُ

إني جنَيتُ ولم تزلْ نبَلُ الورى ... يهَبون للخُدّام ما يجنونَه

ولقد جمعْتُ من الجنونِ فُنونَه ... فاجمعْ من الصّفْح الجميلِ فُنونَه

من كن يرجو عَفوَ من هو فوقَه ... فليَعْفُ عن جُرْمِ الذي هو دونَه

فعفا عنه، وأعاده الى شغله.

أبو عبد الله محمّد بن جارية القصّار

كتبت من خطّه أنّه: محمد بن المبارك، بن عليّ، بن القصّار.

جارية القصّار: كانت عوّادة مُحسِنة، مستحسَنة، حافظة للأشعار، عارفة بالأدب. وكانت ممن يعقد عليها الخِنصَر في صِناعتها وبراعتها. ورأيتها في آخر عمرها. وكانت تزوّجت بابن حريقا، عاملِ الجوالي ببغداد، وماتت عندَه في سنة إحدى وخمسين وخمس مئة.

وسمعت أبا المعالي الكتبيّ يقول: إنّه كان لها ابن، يكنى أبا عبد الله، ولا ينسب إلا إليها. وبلغ مبلغَ الشّباب، وجمع أدوات ذي الآداب، فاخترمته يدُ الحدثان في العُنفُوان، وهذه عادة الزّمان الخوّان، بعد سنة أربعين وخمس مئة.

وأنشدني أبو المعالي لأبي عبد الله، في أخي البُدَيوي العوّاد، يهجوه، ويصف برد غنائه بأبيت أرقّ من السحر، وهي:

يا بديويُّ قد نشا لك في العو ... دِ أخٌ يستغيثُ منه العودُ

أنت تدري أنّ الشتاءَ على الأش ... جارِ صعبٌ إذا أطلّ شديدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>