للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أنه كان مولعاً بالنرد واللعب به، وكان أبداً مقموراً، فنظم هذه المقطعة في صفة النرد، وأثبتها لانفرداها بفنها، ولم أسمع في هذا المعنى أحسن منها:

أَقُولُ وَالْيَوْمُ بَهيمٌ خَطْبُهُ ... مُسْوَدُّ أَوْضَاحِ الضُّحى دَغُوشُها

يُظْلِمُ في عَيْنَيَّ لا مِنْ ظُلْمَةٍ ... بَلْ مِنْ هُمومٍ جَمَّةٍ غُطوشُها

وَالنَّرْدُ كالنَّاوَرْدِ في مَجالَهِا ... أَوْ كالْمَجُوسِ ضَمَّهَا ماشُوشُها

كَأَنَّهَا دَساكِرٌ لِلُّشرْبِ أَوْ ... عَسَاكِرٌ جائِشَةٌ جُيوشُها

وَلِلْفُصوصِ جَوْلَةٌ وَصَوْلَةٌ ... تُحَيِّرُ الأَلْبابَ أَوْ تَطيشُها

قاتَلَها اللهُ! فَلا بِنُوجُها ... تَرْفَعُ بي رَأْساً وَلا شُشُوشُها

أُرْسِلُها بِيضاً إذا أَرْسَلْتُها ... كَأَنَّها قَدْ مُحِيَتْ نُقوشُها

كَأَنَّنِي أَقْرَأُ مِنْها أَسْطُراً ... مِنَ الزَّبورِ دَرَسَتْ رُقُوشُها

كَأَنَّ نُكْراً أَنْ أَبيتَ لَيْلَةً ... مَقْمُورُهَا غَيْرِيَ أَوْ مَقْمُوشُها

تُطيعُ قَوْماً عَمَّهُمْ نَصُوحُهَا ... وَخَصَّني مِنْ بَيْنِهِمْ غَشُوُشها

يُجيبُهُمْ مَتى دَعَوْا أَخْرَسُها ... وَإِنْ يَقولوا يَسْتَمِعْ أَطْرُوشُها

مَدَيْدِ بينَ دَأْبُهُمْ غَيْظي فما ... تَسْلَمُ مِنْهُمْ عِيشَةٌ أَعِيشُها

كَأَنَّ رُوحي بِيْنَهُمْ أَيْكِيَّةٌ ... رَاحتْ وَكَفُّ أَجْدَلٍ تَنُوشُها

يَبْتِكُ مِنْهَا لَحْمَها وَتارَةً ... تَكادُ تَنْجُو فَيُطارُ رِيشُها

إذا احْتَبى أَبُو المُرَجّا فيِهُم ... فَهامُنَا مائِلَةٌ عُرُوشُها

كَأَنَّما شَنَّتْ قُشَيْرٌ غارَةً ... عَجْلانُها الْحَرّابُ أَوْ حَريشُها

كَأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَ مِنْهُ قُطِّعَتْ ... خَمْسَ أَفاعٍ مُرْعِبٌ كَشيشُها

أَظْفارُها أَنْيابُها وَطالَما ... نَيَّبَ قَلْبي وَيَدي نَهُوشُها

لا يَأْتَلي مِنْ ذَهَبٍ يَلُفُّهُ ... مِنّي وَمِنْ دَراهِمٍ يَحُوشُها

وَمِنْ خِرافٍ لَهُمُ مِنْها الَّذي ... طابَ وَلي ما ضَمِنَتْ كُروشُها

وَمِنْ دَجاجاتٍ إذا ما كُرْدِنَتْ ... كَأَنَّما شَكَّ فُؤادي شِيشُها

وقوله:

أَتَظُنُّني لا أَسْتَطيعُ ... أُحيلُ عَنْكَ الدَّهْرَ وُدّي

مَنْ ظَنَّ أَنْ لا بُدَّ مِنْهُ ... فَإنَّ مِنْهُ أَلْفَ بُدِّ

وتوفي ابن الخياط في رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائةٍ.

[سني الدولة]

أبو محمدٍ الحسن بن يحيى بن محمدٍ بن الخياط الكاتب.

هو ابن أخي الشاعر، وكتب لملوك دمشق الأتابكية. ولقيت ولده بدمشق، فاستنشدته شيئاً من شعر والده، فذكر أن يده في النظم قصيرةٌ، وأن غرر رسائله ودرر فضائله عنده كثيرةٌ، وكتب لي من نثر والده ما ذكرته.

فصلٌ: ورد كتابه على عبد المجلس السامي، فلبس من مدارع الشرف أضفاها، وأحرز بمكانه من مزايا الجمال أوفاها، وكأنما صافحته أيدي الآمال، واحتفت به السعادة عن اليمين والشمال، ووفاه واجبه من الإعظام والإجلال.

فصلٌ من منشور: والشريف فلانٌ ينتمي إلى أفخر المناسب، ويعتزي إلى أكرم المغارس والمناصب، وينزع إلى تلك الأرومة الشريفة، والدوحة العالية المنيفة، والأسرة التي فضلها الله تفضيلاً، وجعلها علماً يهتدي به الأرشدون سبيلاً، وقد تقيل مذاهب أسلافه الذين عرفوا بالأمانة، وعلموا الناس سنن الزهد والصيانة.

فصلٌ في جواب مهزومٍ، كتب يتوعد بإقدام منه وقدومٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>