للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جبرائيل بن ناصر بن المثنى السلمي]

لقيت بدمشق معلماً على باب جيرون، نافق السوق كثير الزبون، ثم عاد إلى مصر عند المملكة الصلاحية بها، ودارت رحى رجائه بالنجح على قطبها، وقصد اليمن عند افتتاح الملك المعظم شمس الدولة توران شاه لها، وكان وعده بألف دينار فقبضها منه وحصلها، ولم يزل بمصر مستقيم الحال، مثمر المال، آلفا صعود جده بالصعيد، عارفاً سعود حظه بالمزيد، إلى أن نسب إليه وإلى قوص أنه واطأ الخارجي بها في آخر سنة اثنتين وسبعين، فطلبه وصلبه، بعد ما سلبه، وذلك في المحرم سنة ثلاث وسبعين بقوص. ووقعت إلي من شعره قصيدةٌ بخطه نظمها في سيف الدين أخي صلاح الدين عند خروج الكنز بأسوان وقتله والفتك بالسودان، من جملتها:

ومن ذا يطيقُ التركَ في الحربِ إِنَّهُمْ ... بَنُوها، وكلُّ الناسِ زورٌ وباطلُ

حُمَاةٌ كُمَاةٌ كالضراغمِ، خَيْلُهُمْ ... مَعاقِلُهُمْ، والخيلُ نِعْمَ المعاقلُ

منها في صفة الجيش:

بجيشٍ يضيعُ الليلُ فيه إذا سَرَى ... وتُخْفي نجومَ الجوِّ منه القساطلُ

إِذا ما خَبَتْ فيه المشاعلُ عاضَها ... من ايدي الجيادِ المُنْعَلاتِ مشاعل

وتَطَّرِدُ الراياتُ فيه كأنّها ... أَفاعٍ إلى أوكارهنَّ جوافل

فما لاحَ ضوءُ الصبحِ حتى تحكَّمَتْ ... لهم في أعاديهمْ قناً ومناصل

كأنّ مُثارَ النقعِ وَبِيضهُمْ ... بُرُوقٌ تَلاَلاَ فيه، والدم وابلُ

ومنها:

لكمْ يا بني أيُّبَ في البأسِ والندى ... مذاهبُ، تُعْيِي غيرَكم، ومداخلُ

أَلَنْتُمْ لنا الأيامَ من بَعْدِ قَسْوَةٍ ... وحَلَّيْتُمُها، وهْي قَبْلُ عواطلُ

وقلَّدْتمونا البيضَ تُثْقِلُ بالحُلَى ... عواتِقَنا أغمادُها والحمائلُ

ضَرَبْنا بها أعداءَكُم فجيادُنا ... لها من دماءِ المارقينَ خلاخل

وله من أخرى فيه نقلتها من خطه:

أمَا ملَّ مِنْ عَذَلي عاذلي ... فيطرحَ حَبْلي على كاهِلي

لقد أَطْمَعَ النفسَ في سلوَةٍ ... يُخَيِّبُها طَمَعُ العاقل

ومن غير هذا الهوَى إنَّني ... لأَعْشَقُ، من عِشْقِه، قاتِلي

أُحِبُّ فأقتلُ نفسي فلا ... أَفوزُ من الحُبِّ بالطائلِ

ولي كلَّ يومٍ وقوفٌ على ... حمىً وسلامٌ على راحل

متى يسأم القلبُ من هجركم ... فيصغي إلى عَذَلِ العاذلِ

ويبطلُ سِحْرُ الجفونِ التي ... بها يَعملُ السحرُ في بابل

ويخلو فؤادُ امرىءٍ لم يَزَلْ ... من الوجدِ في شُغُلٍ شاغل

متى ما وَجَدْتُ لكمْ وَحْشَةً ... تَعَلَّلْتُ بالشَّبَحِ الماثل

ومنها:

صِلُوا واعْطِفوا وارحَمُوا واحْسِنوا ... وجُودوا فلا خيرَ في باخِلِ

فلستُ بتاركِ حقِّ الهوَى ... ولو أنَّني منه في باطل

ولكن إذا مَضَّنى جَوْرُكم ... شكوتُ إلى الملك العادل

مليكٌ مَشَى الناسُ في عَصْرِه ... من العَدْلِ في مَنْهَجٍ سابلِ

ومنها:

أَقامَ الجهاد على سُوقهِ ... وحربٍ كحرْبِ بني وائلِ

ففي كلِّ يومٍ له جَحْفَلٌ ... يُغِيرُ على الشِّرْك بالساحل

ومنها:

فديناك يا مَنْ سَنَا وَجْهِهِ ... يفوقُ سَنَا القمرِ الكامِلِ

وإنك أنفَعُ في عَصْرِنا ... من الغَيْثِ في البَلَدِ الماحل

أَنَلْتَ الرعيةَ ما فاتَها ... من الشركِ في عَصْرِنا الزائل

فأَضحَتْ من العدلِ في عامرٍ ... وأَمْسَت من الأَمْنِ في شامِل

وأنشدت له في غلامٍ نحويٍ في دمشق:

زاد بي شوقي فَبُحْتُ ... وجرى دَمعي فَنُحْتُ

أَيها العاذل هل يَثْني ... لسانَ العَذْل صَمْتُ

إِنَّ نَعْتَ البدرِ والشمسِ ... لِمَنْ أَهْوَاهُ نَعْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>