للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رزِئْتُ بأحفى الناس بي وأبرهم ... وأكبِرْ بفقْدِ الأم رزءاً وأعظِمِ

فأصبحَ دُرّ الشِّعْر فيكِ منظَّماً ... وأصبح دَرّ الدمع غيرَ منظّم

تصرّمُ أيامي وأمّا تلهّفي ... فباقٍ على الأيام لم يتصرّمِ

كأن جفوني يومَ أودعتكِ الثّرى ... نضحْنَ على جيْبِ القميصِ بعندمِ

يهيجُ لي الأحزان كَلّ فلا أرى ... سوى موجعٍ لي بادّكاركِ مؤلمِ

أنوح لتغريد الحمائم بالضّحى ... وأبكي للَمْعِ البارقِ المتبسّم

وأرسلُ طرفاً لا يراكِ فأنطوي ... على كبدٍ حرّى وقلبٍ مكلّمِ

وما أشتكي فقدَ الصّباح لأنّني ... لفقدكِ في ليلٍ مدى الدهر مُظلِم

تطول ليالي العاشقين وإنّما ... يطولُ عليكِ الليلُ ما لم تهوّمي

وما ليلُ من وارى الترابَ حبيبهُ ... بأقصرَ من ليل المحبّ المتيّمِ

فكم من بين راجٍ للإياب وآيسٍ ... وأين جميل في الأسى من متمِّمِ

ومنها:

ولم يبقَ في الباقين حافظ خُلّةٍ ... فعشْ واحداً ما عشتَ تنجُ وتسلمِ

فلستَ ترى إلا صديق لموسرٍ ... حسوداً لمجدودٍ عدواً لمعدِم

وكنتُ إذا استبدلتُ خِلاً بغيره ... كمستبدلٍ من ذئب فقرٍ بأرقَمِ

فجانبْهمُ ما اسطَعْتَ واقبلْ نصيحتي ... ومن لم يطِعْ يوماً أخا النُصح يندَمِ

فإن لم يكن بُدّ من الناس فالقَهُم ... ببِشْرٍ وصُنْ عنهم حديثك واكتُم

فمن يلقَهُم بالبِشْرِ يُحْمَدْ بفعلِه ... ومن يلقهم بالكبْرِ يُعتبْ ويُذمَمِ

ومن لم يصانع في أمورٍ كثيرة ... يُضرّس بأنيابٍ ويوطأ بمنسِم

وحين وفاة أمية بن أبي الصلت أهدى إليّ سيدنا القاضي الفاضل حديقة أبي الصّلت وقرأت في آخرها مكتوباً: توفي الشيخ الأجل أمية ابن أبي الصلت يوم الاثنين الثاني عشر من محرم سنة ست وأربعين وخمسمائة وكان آخر ما سمع منه:

سكنتكِ يا دارَ الفناءِ مصدّقاً ... بأني الى دارِ البقاء أصيرُ

وأعظَمُ ما في الأمر أنّي صائِر ... الى عادلٍ في الحُكم ليس يجورُ

فيا ليتَ شِعري كيف ألقاهُ بعدها ... وزادي قليلٌ والذّنوبُ كثيرُ

فإنْ أكُ مَجزيّاً بذنبي فإنّني ... بحَرّ عذاب المذنبين جديرُ

وإن يكُ عفو ثم عنّي ورحمة ... فثمّ نعيم دائِم وسُرورُ

وقال لعبد العزيز ولده:

عبدَ العزيز خليفتي ... ربُّ السماءِ عليكَ بعْدي

أنا قد عهدتُ إليك ما ... تدْريه فاحفَظْ فيه عهدي

ولئن عملْتَ به فإنْ ... نَكَ لا تزالُ حليفَ رُشد

ولئن نكثتَ فقد ضلل ... تَ وقد نصحتكَ حسب جهدي

وقرأت في موضع آخر أنه توفي في المحرم سنة تسع وعشرين.

[جماعة من الفضلاء]

كانت بينهم وبين الحكيم أبي الصلت مكاتبات منظومة ومنثورة ولم أثبت من شعرهم شيئاً فإنني لم أصادفه

أبو الضوء سراج بن أحمد

بن رجاء الكاتب

قرأت من ديوان أبي الصّلت ما كتبه الى سراج الكاتب، فمن جملة ما قرأت فيه، ما يقول فيه أبو الصلت من قصيدة طويلة، جواباً عن أبيات، قوله وهو يدلّ على فضله ونبله:

حلفتُ بها أنضاءَ كل تنوفةٍ ... إذا قطعَتْ شَهْبا أبيح لها حزْمُ

تزورُ لوفد الله أكرمَ بقعة ... وأفضلَ ما تنحو الرّكابُ وتأتمّ

لقد نالَ في رِفقٍ أبو الضوءِ رتبة ... يقصّرُ عن غاياتِها العربُ والعجم

فتًى خصّني منه على الشّحْط والنّوى ... بعهدِ وفاءٍ ما لعروته فصْمُ

تناهى لديه العلمُ والحلمُ والحِجا ... وكُمِّلَ فيه الظّرفُ والنُبلُ والفهم

رقيقُ حواشي الطّبْعِ رقّ حواشياً ... لأنْ عُدّ من أبنائِه الزّمنُ العُدْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>