للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو من معاصري الحكيم أبي الصلت أمية، وقد أثبتنا شعر أميّة فيه، وهو قطعة خائية موسومة بتنوخ، ولم يقع إلينا من شعره ما نورده إلا ما ذكره في الحديقة، وكان أبو الصلت يرى في المنام كثيراً أبا عبد الله بن بشير، وتجري بينهما محاورات في فنون الآداب، وملح الأشعار، ويجد هو أيضاً من نفسه مثل ذلك في المنام. فقال أبو الصلت:

بأبي من صَفا فأصبَح في اليق ... ظَة والنّوم مؤنِسي ونَديمي

قُدّ بيني وبينه الوِدّ والإخ ... لاصُ في الحالتين قَدّ الأديمِ

نلتقي فيهما فنرتَعُ من آ ... دابِنا الغُرّ في جِنانِ النّعيمِ

غير أنّ اللقاءَ في الحُلمِ أشْفى ... لجَوى الشّوْقِ عند أهلِ الحُلومِ

فتلاقي الأرواح ألطفُ معنًى ... في المُصافاةِ من تلاقي الجُسومِ

وأورد أبو الصلت في الحديقة هذه الأبيات، ونسبها الي محمد بن بشير:

ولقد نظمتُ من القريضِ لئالِئاً ... غُراً جعلتُ سلوكهنّ طُروسا

ورميتُ علويّ الكلامِ بمنطقٍ ... حتى انتظمتُ بليلهِ البِرْجيسا

وجليتُ للحسَنِ الهُمامِ قلائِدي ... فحبوْتُ منها بالنّفيسِ نفيسا

ملِك يودّ البدرُ لو يلقى له ... في مُنتدى شرَفِ الجلالِ جَليسا

[أبو جعفر عبد الولي البني الكاتب]

معروف من أهل الفضل، ولم يقع إليّ أيضاً شيء من شعره، لكنني قرأتُ في ديوان أبي الصّلت أمية الأندلسي، أنه كتب الى عبد الولي البنّي مجاوباً عن قصيدة خاطبه بها، ومن جملة أبيات أبي الصّلت فيه يصفه بكثرة الأسفار:

مجدُك عُلويّ يا جعفرُ ... والشُهبُ لا تعرِفُ سُكنى القرارْ

أنِسْتَ بالبيْن وطولِ السّرى ... فالنّاسُ أهلُك والأرضُ دارْ

إنْ سِرْت كنتَ الشّمسَ أو لم تسِرْ ... فأنتَ كالقُطبِ عليه المَدارْ

ثم طالعت كتاب الجِنان لابن الزبير، وذكر أنّه خليعُ العِذار، قليل المحاشمة في اللهو والاعتذار، لا يبالي أيّ مذهب ذهب، ولا يفكّر فيمن عذر أو عتب، وله أهاجٍ أرغمت المعاطس، وبدائع أخّرت المُنافس، وأخذت المنافِس.

وله:

قالوا تصيبُ طيورَ الجوّ أسهُمُه ... إذا رماها فقلنا: عندنا الخبرُ

تعلّمَتْ قوسُه من قوسِ حاجبِه ... وأيّد السّهْمَ من أجفانه الحورُ

يلوحُ في بُردةٍ كالنِّقْس حالكةٍ ... كما أضاءَ بجُنح الليلةِ القمرُ

وربّما راقَ في خضراءَ مونقةٍ ... كما تفتّح في أوراقه الزّهَرُ

وله:

وكأنّما رشأ الحِمى لما بدا ... لك في مضلّعه الجديدِ المُعْلم

غصَبَ الحِمامَ قِسيّهُ وأعارها ... من حُسنِ معطفه قوامَ الأسهُم

وله:

غصبْتِ الثُريّا في البعاد مكانها ... وأودعتِ في عينيّ صادق نوئِها

وفي كل حالٍ لم تزالي بخيلة ... فكيف أعرْتِ الشمسَ حلة ضوئها

وله:

صدّني عن حلاوة التّشييع ... اجتِنابي مرارةَ التّوديع

لم يقم أنسُ ذا بوحشةِ هذا ... فرأيتُ الصّواب تركَ الجميع

أبو حفص عمر بن علي المعروف ب

الزكرمي المهدوي الشاعر

لم يقع إليّ شيء من شعره. قرأت لأبي الصّلت أمية الأندلسي فيه قصيدة ضادية وهي:

سوابقَ عَبرَتي سُحّي وفيضي ... وإنْ تعْصِ الدموعُ فلا تغيضي

فقد أخذ الرّدى من كان منّي ... بمنزلةِ الشّفاء من المريض

وما وُقِيَ الرّدى بطِعان سُمر ... وشدّ سوابقٍ وقِراع بيض

أبا حفصٍ ذهبتَ بحُسنِ صبري ... وبنتَ فبانَ عن عيني غُموضي

خلصتَ الى النّعيم وبي اشتياقٌ ... دفعتَ به الطّويل الى العريض

فما أصبو الى عَبّ الحُميّا ... ولا أهفو الى نغَم الغريض

ذهبتَ فمن تركتَ لكل معنى ... شديد اللبسِ بعدكَ والغُموض

ومن خلفتَ بعدكَ للمعمى ... وللشعرِ المحَككِ والعَروض

<<  <  ج: ص:  >  >>