للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا خيالكَ في الجفون يلوحُ ... لو كان في الجسم المعذّب روح

يا سالماً مما أقاسي في الهوى ... هل يشتفي من قلبيَ التّبريح

غادرتني غرَضَ الرّدى وتركتني ... لا عضوَ لي إلا وفيه جروح

لو عاينتْ عيناكَ قذْفي من فمي ... كبِدي ودمعي معْ دمي مسْفوح

لرأيتَ مقتولاً ولم ترَ مقْتَلاً ... ولخلتَ أنّي من فمي مذبوح

يا ويحَ أهلي قد جُرِحْتُ وما دروا ... أنّي بأسياف الجفون جريح

كبدي على صدري جرتْ فإلى متى ... أغدو أعذّبُ في الهوى وأروح

باب في ذكر جماعة وافدين إلى مصر

وغيرها من المغرب

محمود بن عبد الجبار الأندلسي

الطرسوسي

له يهجو الآمدي العجلي الوافد الى مصر:

أيها الآمديّ حُمقُك قد دلْ ... ل على أن آمِداً هي حِمصُ

بسَوادِ الرّمادِ تُخضب شَيْباً ... فلهذا سوادُه لا يَبُصّ

أخلِطِ العفْصَ فيه يا أحوجَ النّا ... سِ الى العفصِ حين يُعكس عفص

فلما بلغ الآمدي هذا الشعر، لم يهجه بل كتب إليه معاتباً:

أبِنْ لي ما الذي تبغيهِ منّي ... وما هذا التعنّتُ والتّجنّي

وأين خِلالُك الغُرّ اللواتي ... يُخَلْنَ من العذوبة ماءَ مُزْنِ

فيا من ليس يلحَن في مقالٍ ... أترضى في المقال بشرّ لحْنِ

أبو الحسن

عبد الودود بن عبد القدوس القرطبي

أورده ابن الزبير في كتابه من الطارئين على مصر، واستطرد بابن قادوس في ذكر ابن عبد القدوس بفصل هو: كان انتجع مصر معتقداً أنّه يُحمد بها المَراد، ويُنال المُراد، فاتّفق لنكد الزمان، وحظّ الحرمان، أن ورد بعض ثغور مصر، وبها رجل يعرف باسماعيل بن حميد المنبوز بابن قادوس، وكان ممّن يهتم بالجمع والادّخار، ويدين بعبادة الدّرهم والدينار، لا تندى حصاته، ولا يظفر بغير الخيبة عفاته، ولا يرشح له كفّ، ولا يُعرف له عرف، إلا أنّ له رواءً وجِدة، وبنين وحفدة، يطمع الغِرّ في نواله، ومنال النّجم دون مناله، فقصده عبد الودود بمدائح أرقّ سلكها، وأجاد سبكها، وتأنّق في وشيها وحبكها، وظن أنّ سهمه قد أصاب الغرض وقرطس، وأنه يفوز بأكثر ما التمس، فكان بارقه خُلّباً لا يجود بقَطرة، وشرابه سراباً بقفرة، ولمّا تحقق إكداء كدّه، وصلود قدحه في مدحه، قال:

شقى رجالٌ ويشقى آخرون بهم ... ويُسعِدُ اللهُ أقواماً بأقوامِ

وليس رزقُ الفتى من حسنِ حيلته ... لكن جُدودٌ بأرزاقِ وأقسام

كالصّيد يُحرَمُه الرّامي المُجيد وقد ... يرمي فيُرزَقُه من ليس بالرامي

وقال في هجو ابن قادوس:

تسلّ فللأيام بِشرٌ وتعبيسُ ... وأيقِنْ فلا النُعمى تدومُ ولا البوس

صديْتَ على قُربٍ وخُلقُكَ عسجد ... ومِلْتَ الى لغْوٍ ولفظُك تقديس

ومنها:

ترحّلْ إذا ما دنّس العزّ ملبَسٌ ... فغيرُك من يرضى به وهو ملبوس

وما ضاقتِ الدنيا على ذي عزيمةٍ ... ولا غرقَتْ فُلْك ولا نفَقتْ عيس

وكم من أخي عزمٍ جفتْهُ سُعوده ... يموتُ احتراقاً وهو في الماء مغموس

تُفَلّ السّيوف البيضُ وهي صوارم ... ويرجع صدر الرّمحِ والرمْحُ دِعْيسُ

ولولا أناسٌ زيّنوا بسعادةٍ ... لما ضرّ تربيع ولا سَرّ تسْديسُ

ولكنّ في الأفلاك سرّ حُكومةٍ ... تحيّر بطليموسُ فيها وإدريسُ

أفاضتْ سعوداً بالحجارة دونَها ... يُطافُ سُبوعاً حولها الغُلْبُ والشّوسُ

وصار فُلاناً كلّ من كان لمْ يكُنْ ... ودانَ له بالرقّ قوم مناحيسُ

فحقِّقْ ولا يغْرُرْكَ قولُ مُمَخرِقٍ ... فأكثرُ ما يُدْعى إليه نواميس

أفيقوا بني الأيّام من سِنَةِ الكَرى ... وسيروا بسيرِ الدهر فالدهرُ معكوس

<<  <  ج: ص:  >  >>