للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هيَ القِسمةُ الضّيزى يُخوّلُ جاهِل ... وذو العلم في أنشوطةِ الدهر محبوس

وإرضاءُ ذي جهلٍ وإسخاط ذي حِجى ... نِعاج مياسير وأسْدٌ مفاليس

خُذِ العلمَ قنطاراً بفَلسِ سعادةٍ ... عسى العلم أن يفنى فيمتلئَ الكيس

ومُذْ لقّب الفرد القصير موفّقاً ... هَذَى الدهرُ واستولتْ عليه الوساويس

وقالوا سديد الدولة السيّد الرّضى ... فأكثِرَ حُجّابٌ وشدّدَ ناموس

وأعجبُ من ذا أن يلقَّب قاضياً ... وأكثرُ ما يجري من الحكم تلبيس

وأصدقُ ما نصّ الحديث فكاذب ... وأطهرُ ما صلى الصلاة فمنجوس

وأعرَفُ منه بالفرائض راهبٌ ... وأفقَه منه في الحكومة قِسّيسُ

وما الغَبنُ إلا أن تُحكّمَ نعجة ... وضرغامُ أسد الغاب في الغيل مفروس

وما لي فوق الأرض مغرز إبرةٍ ... وتُحمَلُ دِمياط إليه وتنّيس

مصائبُ من يسكُتْ لها مات حسرة ... ومن ثِقلِها بثّاً يمُتْ وهو منحوس

وفي جورِه هذا الدهر ما بأقلّه ... سيضرب في أرجاء مكّةَ ناقوس

ويُبْتاعُ مِسك بالخراء مدلّس ... ويُعبَدُ خنزير ويُرسل جاموس

وقالوا ابن قادوس تقدّس كاسمه ... ومن هو قادوس فلا كان قادوس

أيا من غدا ضِداً لكلّ فضيلةٍ ... ومن نجمُهُ في طالع السّعد منكوس

ومنها:

وقد قُلتُها هجْواً وأنفُكَ راغم ... فلا يدخُلنْ ريْب عليكَ وتلبيس

أبا الفضل إنْ أصبحتَ قاضيَ أمةٍ ... وللحكم في أرجاء ذكركَ تعريس

فإنّ قريضي بين أذنيك درّة ... وإنّ هجائي في دماغِكَ دبّوس

ورأسي ومِثلا شرِه سفْن خرْدل ... ......... مدسوس

تجمّع فيّ الخيرُ والشرّ جملةً ... فخيريَ جِبريل وشرّيَ إبليس

أطاعه في هذه القصيدة الطبع الجافي، وجاد بالكدر خاطره الصافي، وأبان فيها عن رقّة دينه وتهلهله، وعُدِم عُبوسُ بؤسِه، بِشرَ الفضلِ في تهلله.

ومما وجب إيراده في شعراء صقلية:

الأمير شيخ الدولة عبد الرحمان بن لؤلؤ

صاحب صقلية

أنشدني للطاهر الحريري في صفة الفرس، فقال شيخ الدولة في المعنى:

وأدهمَ كالليل البهيم مطهّمٍ ... فقد عزّ من يعلو لساحة عُرْفِه

يفوتُ هبوب الرّيح سبْقاً إذا جرى ... نهايةُ رجليه مواقعُ طرفِهِ

[القاضي الرشيد أحمد بن قاسم الصقلي]

من الطارئين على مصر، وكان قاضي قضاتها في أيام الأفضل، فدخل يوماً الى الأفضل وبين يديه دواة من عاج محلاّة بمرجان فقال:

أُلينَ لداوودَ الحديدُ بقدرةٍ ... يُقدّرُهُ في السّرْدِ كيف يريد

ولان لك المرجانُ وهو حجارة ... على أنّه صعبُ المرام شديدُ

وكان الأفضل قد أجرى الماء الى قرافة مصر، فكتب إليه يرجو إجراء الماء الى دار له بها:

أيا مَولى الأنام بلا احتشامٍ ... وسيّدَهُم على رغم الحسود

لعبدِك بالقَرافةِ دارُ نُزلٍ ... لموجود الحياة أو الفقيد

لموجودٍ يعيشُ بها لوقتٍ ... ومفقودٍ يوارَى في الصّعيد

وفي أرجائها شجرٌ ظِماء ... عُدِمْنَ الحُسنَ من ورقٍ وعود

فمذ غدتِ المصانعُ مُمْتِعاتٍ ... عدمْنَ الرّيّ في زمن الوجود

يقُلْنَ إذا سمعْنَ شجى السّواقي ... مقالةَ هائمٍ صبّ عَميد

أرى ماءً وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيلَ الى الورودِ

وله:

إن لم أزرك ولم أقنعْ برؤياك ... فللفؤادِ طوافٌ حول مغناكِ

يا ظبية ظلْتُ من أشراكِها علِقاً ... يوم الوداع ولم تعلقْ بأشراكي

رعيت قلبي وما راعيت حُرمتَهُ ... يا هذه كيف ما راعيتِ مرعاكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>