للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابنا، - أبقاكم الله وأكرمكم بتقواه، ويسركم لما يرضاه، وأسبغ عليكم نعماه -، وقد رأينا، والله بفضله يقرن جميع آرائنا بالتسديد، ولا يخلينا في كافة أنحائنا من النظر الحميد، أن نولي أبا زكريا يحي بن أبي بكر محل ابننا الناشيء في حجرنا أعزه الله، وسدده في ما قلدناه إياه، مدينتي فاس وسبتة وجميع أعمالهما حرسهما الله، على الرسم الذي تولاه غيره قبله فأنفذنا ذلك لما توسمناه من مخائل النجابة قبله، ووصيناه بما نرجو أن يحتذيه ويمتثله، ويجري عليه قوله وعمله، ونحن من وراء اختباره، والفحص عن أخباره، لأنني بحمد الله في امتحانه وتجريبه، والعناية بتخريجه وتدريبه، والله عز وجل يحقق مخيلتنا فيه، ويوفقه من سداد القول والعمل لما يرضيه، فإذا وصل إليكم خطابنا فالتزموا له السمع والطاعة، والنصح والمشايعة جهد الاستطاعة، وعظموا بحسب مكانه منا قدره، وامتثلوا في كل عمل من أعمال الحق نهيه وأمره، والله تعالى يمده بتوفيقه وهدايته، ويعرفكم يمن ولايته بعزته.

وكتب عنه إلى أبي محمد عبد الله بن فاطمة: كتابي، - أطال الله في طاعته عمرك، وأعز بتقواه قدرك، وشد في ما تتولاه أزرك، وعضد بالتسديد والتوفيق أمرك - من حضرة مراكش حرسها الله وقد رأينا والله ولي التوفيق، والهادي إلى سواء الطريق، أن نجدد عهدنا إلى عمالنا عصمهم الله بالتزام أحكام الحق، وإيثار أسباب الرفق، لما نرجوه في ذلك من الصلاح الشامل، والخير العاجل والآجل، والله تعالى ييسر لما يرضيه من قول وعمل منه، وأنت - أعزك الله -، ممن يستغني بإشارة التذكير، ويكتفي بلمحة التبصير، لما تأوي إليه من السياسة والتجربة، فاتخذ الحق أمامك، وملك يده زمامك، وأجر عليه في القوي والضعيف أحكامك، وارفع لدعوة المظلوم حجابك، ولا تسد في وجه المضطهد المهضوم بابك، ووطيء للرعية حاطها الله أكنافك، وابذل لها إنصافك، واستعمل عليها من يرفق بها، ويعدل فيها، واطرح كل من يحيف عليها ويؤذيها، ومن سبب عليها من عمالك زيادة، أو خرق في أمرها عادة، أو غير رسما، أو بذل حكما، أو أخذ لنفسه منها درهما ظلما، فاعز له عن عمله، وعاقبه في بدنه، وألزمه رد ما أخذ متعديا إلى أهله، واجعله نكالا لغيره حتى لا يقدم أحد منهم على مثل فعله، إن شاء الله وهو تعالى ولي تسديدك، والملي بعضدك وتأييدك، لا إلاه غيره.

وكتب عنه إلى أهل غرناطة من كتاب: قد اتصل بنا أنكم من مطالبة فلان على أولكم، وفي عنفوان عملكم، وإنه لا يعدم تشغيبا وتأليبا من قبلكم، فإلى متى تلحون في الطلب، وتجدون في الغلب، وتقرعون النبع بالغرب، ولقد آن لحركتكم به أن تهدأ، وللنائرة بينكم أن تطفأ، ولذات بينكم أن تصلح، ولوجوه المراشد قبلكم أن تتضح وإذا وصل إليكم خطابنا هذا فاتركوا متابعة الهوى، واسلكوا معه الطريقة المثلى، ودعوا التنافس على حطام الدنيا. وليقبل كل واحد منكم على ما يعنيه، ولا يشتغل بما ينصبه ويعنيه، ولابد لكل عمل، من أجل، ولكل ولاية، من غاية، ولن يسبق شيء إناه، وإذا أراد الله أمرا أسناه، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، وفقكم الله لما فيه صون أديانكم وأعراضكم، وتسديد أنحائكم وأغراضكم.

ذو الوزارتين المشرف

أبو بكر محمد بن أحمد بن رحيم

ذكره لي الفقيه اليسع بمصر، وقال أدركته سنة عشرين وخمسمائة وهو صاحب ديوان إشبيلية وذكره الفتح في قلائد العقيان وأثنى عليه وعلى نجاره، وثنى الحمد إلى علاء مجاره، ووصفه بشرف السؤدد، وكرم المحتد، والسجاحة في السجية، والسماحة والأريحية، والسلامة من الكبر والخيلاء، والاستقامة في الفكر والذكاء، والاستقلال بالإبرام والنقض، والاستبداد بالبسط والقبض، والرفع والخفض، وافتقار الدولة إليه افتقار الجسد إلى الروح، والمشكل إلى الوضوح. وقد أورد من شعره قصيدة نظمها في شعبان سنة خمس عشرة وخمسمائة في الأمير أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين:

سقى الله الحمى صوب الولي ... وحيا بالاراكة كل حي

وإن ذكر العقيق فباكرته ... سحائب معقبات بالروي

تروي مسقط العلمين سكبا ... تُلبَسِّهُ جنى الزهر الجني

ولا بليت لمرسية برود ... مطرزة بأسباب الحلي

<<  <  ج: ص:  >  >>