للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو أني استطعت خفضت طرفي ... فلم أبصر به حتّى أراكا

عمادي الأعلى وصل الله اعتلاءه ممن قدس الله شريعته، وأنفس طبيعته، وصير كرم الرأي في مضمار التجارب طليعته، وجعل الحق ينطق على لسانه، والفضل يجري على إنسانه، فمن حصل منه أدنى محبة، وأعطي من إخائه ولو مثقال حبة، نال ما اشتهاه، وبلغ من الأمل منتهاه، وعد ممن رجحت نهاه، كما عد من بهرج في نقده، وأخرج من عقده، وأسقط من ديوانه، وأهبط عن إيوانه، تبرأت منه ذمة الأدب، وهلك نعمه وزنده فلم يقم على ندب، وما زلت منذ أحرزت وده، وعلمت مكاني عنده، أحسن الظن بفهمي، وألقي بين أهل الحظوة سهمي، وأعلم أني في ولادة الإخاء منجب، ولفضل المسعى موجب، فإن واليت المخاطبة فللإدلال، وإن هبت المكاتبة فللإجلال، وإني لأنتظر من رأيه في الحالين ما يسدد سمتي ويحسن كلامي أو صمتي، وما أخلو مع تقديم المشاورة من هداية يطلع نجمها أفقه، ودراية يفتح علمها وفقه، وهو أدرى بالجميل يؤمى إليه، ويحمل عليه، إن شاء الله.

ومنها: وقد كنت أسلفت من الرغبة في أمر الوزير أبي فلان ما هو باهتباله منوط، وبين يدي إجماله مبسوط، ومن شروط رغبتي على إنعامه، وشفاعتي عل إكرامه، أن ترد عنه ظلم ذلك الخارص الذي جمع الإصرار مع الإضرار، واللجاج إلى الاعوجاج، ومتى تم عليه اعتداؤه زادت حاله اختلالا، وأمره اعتلالا، وعمادي المعظم يجعل دونه من حمايته سدا لا يستطيع الظالم أن يظهره، ويسكنه من عنايته ظلالا لا تبلغ تلك السمائم أن تصهره، بزينه واستخدامه وأقرأ عليك سلاما يترجم عن ودي، وينوب عني فيما يؤدي.

[الوزير أبو القاسم ابن عبد الغفور]

وصفه بالذكاء والدهاء، والبهجة والبهاء، والنظم المصون من الوهاء، والفضل المقرون حسن ابتدائه بحسن الانتهاء، والخاطر الغني غربه في اقتضاب كل غريبة، واقتصاص كل رغيبة، عن آلامها؟ وقد أورد منه شعرا كالوشي المنسوج، والرحيق المختوم الممزوج، فمن ذلك قوله:

تركت التصابي للصواب وأهله ... وبيض الطلى للبيض والسمر للسمر

مدادي مدامي والكؤوس محابري ... وندماي أقلامي ومنقلتي شعري

ومسمعتي ورقاء ضنت بحسنها ... فأسدلت الاستار من ورق خضر

وقال:

لا تنكروا أننا في رحلة أبدا ... نحثّ في نفنف طورا وفي هدف

فدهرنا سدفة ونحن أنجمها ... وليس ينكر مجرى النجم في السدف

لو أسفر الدهر لي أقصرت في سفري ... وملت عن كلفي بهذه الكلف

وقال:

رويدك يا بدر التمام فإنني ... أرى العيس حسرى والكواكب طلعا

كأنّ أديم الصبح قد قدّ أنجما ... وغودر درع الليل منه مرقعا

فيا ليل هل أضمرت عني رحلة ... ويا صبح هل أسررت نحوي مرجعا

يحض على زور الشباب سمية ... لأصبح شيخا بالشباب مبرقعا

وإني وإن كان الجمال محبّبا ... وأشهى إلى قلبي وأبرد موقعا

لآنف من حسن بشعري مفترى ... فآنف من حسن بشعري مدّعى

[الوزير أبو جعفر ابن أحمد]

ذكره اليسع وقال: وزر لعبد المؤمن سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، ليس هذا ذاك، فإن وزير عبد المؤمن هو ابن عطية ومصنف القلائد وصفه بالعقل والإصابة، والإجادة في الكتابة، لكنه كان منحوسا غير مبخوت، ومنحوا بصرف الحدثان ذا أثل بخطواته منحوت، وقد أورد من نثره، ما يدل على كرم فرنده وجودة أثره، فمن ذلك قوله وقد أهدي إليه ورد: زارنا الورد بأنفاسك، وسقانا مدامة الأنس من كأسك، وأعاد لنا معاهد الأنس جديدة، وزفّ إلينا من فتيات البر خريدة، واحمر حتى خلته شفقا، وابيض حتى أبصرته من النور فلقا، وأرج حتى قلت أرج المسك في ذكائه، وتضاعف حتى قلت الورد من حيائه، فليتصور شكري في رواه، وليتخيله في نفحته ورياه. إن شاء الله تعالى.

[الوزير أبو مروان ابن مثنى]

وصفه بالتقعير والتقعيب، والتوغير في المبهج الغريب، وكان من وراد حياض دولة ابن ذي النون، ورواد رياض جوده الهتون. وله إلى ابن عكاشة يذكر من عدم الراح استيحاشه:

يا فريدا دون ثان ... وهلالا في العيان

<<  <  ج: ص:  >  >>