للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشيّد الناس للتحصين منزلهم ... وأنت تهدمه بالعنف عيناكا

والله والله ما حبي لفاحشة ... أعاذني الله من هذا وعافاكا

وله يتوجع من الفراق ويصف الوداع:

أزف الفراق وفي الفؤاد كلوم ... ودنا الترحل والحمام يحوم

قل للأحبة كيف أنعم بعدكم ... وأنا أسافر والفؤاد مقيم

قالوا الوداع يهيج منك صبابة ... ويثير ما هو في الهوى مكتوم

قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ... ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم

وله إلى الأمير عبد الله ابن مزدلي من قطعة:

يا أيها الملك مضمون لك الظفر ... أبشر فمن جندك التأييد والقدر

ومنها:

وقد طلعت على البيضاء من كثب ... كما تطلّع من جنح الدجى القمر

حللت في أرضنا في جحفل لجب ... كما يحل بها في الأزمة المطر

وحولك الصيد من لمتونة وهم ال ... أبطال يوم الوغى والأنجم الزهر

والعرب ترفل فوق الغرب سابحة ... كالأسد ليس لها إلا القنا ظفر

من كل أروع وضّاع عمامته ... كالبدر نحو لقاء البدر يبتدر

شعراه البر والتقوى ومؤنسه ... في ليله رمحه والصارم الذكر

ذؤابة المجد من قحطان كلهم ... أبوهم حمير ذو المجد أو مضر

[الفقيه الكاتب أبو عبد الله اللوشي]

وصفه بالشيمة المشيمة منها بارقة الوفاء، والسريرة المديمة له بحسن السيرة ديمة الصفاء، والفضل المحتوية عليه أثوابه، والنبل المنتمية إليه آدابه، ووصمه بعد ذلك بالخلق الحرج، والعطن الضيق اللجج، وأورد من نظمه ونثره، ما يعرب عن رفعة قدره، فمن ذلك من قطعة راجع بها أبا القاسم ابن السقاط:

لله أبيات أتتنا خمسة ... مثل الفرند نظمن نظم الجوهر

جمعت من السحر الحلال محاسنا ... من كل معنى رائق مستندر

سوَّى وشيعتها لسان حائك ... ووشى سداها خاطر كالسمهري

فأتت حبيبا أن يفوه بمثلها ... وأتت بما يزري بنبل البحتري

فالبس هنيئا برد مجد سابغ ... واسحب ذيولك زاهيا وتبختر

وله من رسالة إلى الفقيه عبد الحق ابن عطية: أطال الله بقاءك مخدوما بأيدي الأقدار، معصوما من عوادي الليل والنهار، مكتنفا من لطائف الله الخفية، وعوارف صنائعه الحفية، بما يدفع عن حوزتك نوائب الخطوب، ويصنع لك في طي المكروه نهاية المحبوب، لله تعالى أقدار لا يتجاوز مداها، وأحكام لا تخطئ مراميها ولا تتخطاها، وآثار يحلها المرء ويغشاها، ولهذا من كتبت عليه خطى مشاها، غير أنه قد يخير الله لعبده في الأمر المكروه، ويلبسه في أثناء المحنة ثوبا من المنحة لا يسروه، فمن الحزامة لمن تحقق بالأيام ومعرفتها، وعلم صروف الليالي بكنه صفتها، أن يضحى عند الخطوب شهما يواثبه، ولا يتوقى ظهر ما هو راكبه، إذ لا محالة أن العيش ألوان، وأن حرب الزمان عوان، وحتم أن يستشعر الصبر والجلد مناوي الرجال، ويقرر في نفسه أن الأيام دول وأن الحرب سجال، ويعتقد أ، ما يعرضه في خلال النضال من زخز الكفاح، ويعترضه بمجال الرجال من حفز الرماح، غمار يقلع، وغبار يقشع، لا سيما إذا كان الذي أصابه جرح أشواه، وسهم غرب صاف عن المقتل إلى سواه، ثم أجلت الحرب عن قرنه ترب الجبين، شرقاً بدم الوتين، وقد اربت لذة غلبه، وفرحة منقلبه، على ما غاله من وصبه، وناله من تجشم نصبه، وراح بعزة الظفر، وهزة بلوغ الأمل وقضاء الوطر وأيم الله يا سيدي تكدر بعدك المحيا، ونغص فراقك الدنيا، واقشعرت بعدك النعمى، وأصبح طرف لا أراك به أعمى، إلى أن وافى راجلك بشيرا، فاغتديت جذلا وارتددت بصيرا، وقلت عودة من الزمان، وعطفة من درك الآمال والأمان، فالحمد لله الذي وهب هذه المسرة بتمامها، وأطلق النفس من عقلة اغتمامها، والشكر له على ما من به من إيابك، وأنعم فيه من فيئتك واقترابك، فإنها النعمة المالكة خلدي، المالئة لساني ويدي، التي هي أحلى من الأمان، وأسنى من كرة العمر وعودة الزمان.

الفقيه الحافظ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى

ابن عياض

<<  <  ج: ص:  >  >>