للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنه إذ هب من تلقائه ... عرف القرنفل والعبير يشوبه

قد كنت ودعت الصبا بوداعه ... وأخو الصبابة لا تفيق ندوبه

لو لم أجب داعي الهوى وعصيته ... لغدت جفوني بالدموع تجيبه

وله:

لا بد للدمع بعد الجري أن يقفا ... وهبك سال فؤادي عنده أسفا

وبي غزال إذا صادفت غرته ... جنيت من وجنتيه روضة أنفا

كالبدر مكتملا كالظبي ملتفتا ... والروض مبتسما والغصن منعطفا

ما همت فيه ولا هام الأنام به ... حتى غدا الدهر مشغوفا به كلفا

أيرتضي الفضل أن أطوى على حرق ... وفي مراشفه اللعس الشفاه شفا

ما صافح الروض كف المزن من مقة ... إلا أرتنا به من خطه صحفا

وله:

ما لي على سطوات الدهر من جلد ... ألقيت نحو تباريح الهوى بيدي

حلئت عن منهل السلوان في رشأ ... بجيده حلية من صنعة الغيد

مذ قادني طرفه للحين أعلمني ... أن العيون لها قتل بلا قود

وله في الوزير أبي حفص الهوزني وقد مات بنهر طلبيرة عند افتتاحها من قصيدة:

وفي كفه من مائع الهند جدول ... عليه لأرواح العداة تحوّم

بحيث الصّدَى بين الجوانح يلتظي ... ونار الوغى بالمشرفية تضرم

وما من قليب غير قلب مدجّج ... ولا شطن إلا الوشيج المقوّم

ووجه الضّحى من ساطع النقع كاسف ... بيوم له زرق الأسنة أنجم

ولما رأوا أن لا مقرّ لسيفه ... سوى هامهم لاذوا بأجرأ منهم

وكان من النهر المعين معينهم ... ومن ثلم السدّ الحسام المثلّم

فهلا ثنى عنه الردى في زلاله ... رداء برقراق الفقاقيع معلم

فيا عجبا للبحر غالته نطفة ... وللأسد الضرغام أردَاهُ أرقم

وله يتغزل:

ليل يعارضه الزمان بطوله ... ما لي به إلا الأسى من مسعد

نظّمت لؤلؤ أدمعي في جيده ... فكأنّها فيه نجوم الأسعد

[الأديب الحاج أبو عامر ابن عيشون]

وصفه بأنه أحيا لبوس البؤس والنعيم، ووجد تعب المسافر وراحة المقيم، فآونة كالنسر الطائر، وتارة النسر الواقع، وطورا في القصور، وبرهة في البلاقع، ومرة في غنى، وأخرى في فقر، وليلة في مغنى، ويوما في قفر، وذكر أنه رحل إلى المشرق فما أحمد الرحلة، ولا حصل منها النحلة، ودخل مصر في عهد الأفضل خاملا لا يعرف، وآملا لا يسعف، خالي الكيس، بادي الأخلال بالعذير والتنكيس، كاسيا من الإفلاس، عاريا من اللباس، قد بات ليله اتقد، وقد كاد يتلفه البرد، وكان قد دخل عليه ابن طوفان وهو مغنّي الأفضل وشم ريح حاله، وشام بارقة إمحاله، فاستدعى منه أن يعمل أبياته يلحنها، ويشدوها عند الأفضل لحسنها، فلعله يجد فرصة، ويجر إلى نار أمله من النجح قرصة، فعمل:

قل للملوك وإن كانت لهم همم ... تأوي إليها الأماني غير متئد

إذا وصلت بشاهنشاه لي سببا ... فلن أبالي بمن منهم نفضت يدي

من واجه الشمس لم يعدل بها قمرا ... يعشو إلى ضوئه لو كان ذا رمد

فلما كان من الغد، وافاه بخمسين دينار وكسوة، وذكر أنه غناه بالشعر فحل منه بقبول وحظوة. وله:

قصدت على أن الزيارة سنة ... يؤكّدها فرض من الودّ واجب

فألقيت بابا سهل الله إذنه ... ولكن عليه من عبوسك حاجب

مرضت ومرّضت الكلام تثاقلا ... علي إلى أن خلت أنك عاتب

فلا تتكلّف للعبوس مشقّة ... سأرضيك بالهجران إذ أنت غاضب

فما الأرض تدمير ولا أنت أهلها ... ولا الرزق إن أعرضت عني جانب

وله:

كتبت ولو وفّيت برك حقه ... لما اقتصرت كفى على رقم قرطاس

ونابت عن الخط الخطي وتبادرت ... فطورا على عيني وطورا على رأسي

سل الكأس عني هل أديرت فلم أصغ ... مديحك ألحانا يسوغ لها كاسي

<<  <  ج: ص:  >  >>