للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل نافح الآس الندامى فلم أدع ... ثناءك أذكى من منافحة الآس

[الأديب أبو الحسن حكم بن محمد غلام البكري]

وسفه بالخاطر المولد المخترع، المفتضّ عذرة المعاني المفترع وذكر أنه كان ذا جأش جاش، وبرى نبل النبل وراش، وطال رشاء غمره حتى برح زكي غمره، وطواه الدهر بعد طول نشره، ولقي آخر الدولة العبادية في عنفوانه، وريعان الدولة المرابطية في آخر زمانه، وله قلائد استغربت واستعذبت، وسوائر شرقت في البلاد وغربت، فمن ذلك:

أرقني بعدك البعاد ... فناظري كحله سهاد

يا غائبا وهو في فؤادي ... إن كان لي بعده فؤاد

الله يدري وأنت تدري ... أن اعتقادري لك اعتقاد

تذكر والحادثات بله ... ليس لها ألسن حداد

ونحن في مكتب المعالي ... يصبغ أفواهنا المداد

يستر ستر الصبا علينا ... والأمن من تحتنا مهاد

لا نتهدى لما خلقنا ... نجهل ما الكون والفساد

ومنها:

أذمة بيننا لعمري ... يحفظها السيد الجواد

سبحان من خصكم بأيد ... بهنّ تستعبد العباد

إذا استهلت لنا سماء ... أو رق من تحتها الجماد

آثاركم في العلا قديما ... دانت لها جرهم وعاد

والآن تبلى وربّ جود ... حل على ناره الرماد

وأنت في ألْسُنِ البرايا ... معنى بألفاظها معاد

حسب العدى منك ما رأوه ... لا وريت للعدى زناد

لم يعلم الصائدون منهم ... أنك عنقاء لا تصاد

وإ، في راحتيك سعدا ... تندق من دونه الصعاد

والليث شبعان لا يبالي ... إذا نزت حوله النِّقاد

وله:

تظن مرادا بالعقيق وجدولا ... إذا كرعت فيه القبول تسلسلا

وإن مدت الأغصان أطناب ظلها ... بشطيه خلناه حساما مفللا

تنفس من تلقائه بعد هجعة ... نسيم فخلناه عليلا معللا

وجرر ذيلا صافح النور سحرة ... وذاع فحيّاه الحيا فتبللا

يحث البهار الغض يوميء باسما ... لتقبيله خدا من الورد مخجلا

ولم أر عيرا كالرباب إذا ونى ... وجد به سوط العقيقة أرقلا

يرنّ حفافيه أجش مقهقه ... يوهمنا في الدار ضبطا مرسلا

وليل ككحل العين قد مد جنحه ... جناحا على الأرض البسيطة مرسلا

وسمت بنار الكأس قطري بهيمه ... فغادره وسمي أغر محجلا

كأن بقاياه غداف شبيبتي ... ألمّ به صفر المشيب ليرحلا

وله:

ألاحت وللظلماء من ودنها سدل ... عقيقة برق مثل ما انتضيَ النصل

أطارت سناها في دجاها كأنها ... تبلج خد حوله فاحم جثل

لدى ليلة رومية حبشية ... تغازلنا من شهبها أعين شهل

تودّ عيون الغانيات لو أنّها ... إذا مرضت عند الصباح لها كحل

بدت في حلاها فاتّقينا نجومها ... بأنجم راح في الشفاه لها أقل

إلى أن بدا للصبح في طرة الدجى ... دبيب كما استقرت مدارجها النمل

نعيم أرى الأيام تثني عنانه ... علينا إذا ألقى ثنيته الحسل

أفي لهوات الليث رَبْعٌ أبيته ... ولو علني فيها مجاجته الصل

ذكرت الدنا والأهل فيها فليس لي ... بها عقوة آوي إليها ولا أهل

وأفردني صرف الزمان كأنّني ... طرير من الهندي أخلصه الصقل

الأديب أبو عامر ابن المرابط

<<  <  ج: ص:  >  >>