للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كنتم لنا جذلا وأنسا ... فهل في العيش بعد كم انتفاع

أقول وقد صدرنا بعد يوم ... أشوق بالسفينة أن نزاع

إذا طارت بنا حامت عليكم ... كأن قلوبنا فيها شراع

وله:

يا من يعذبني لما تملكني ... ماذا تريد بتعذيبي وإضراري

تروق حسنا وفيك الموت أجمعه ... كالصقل في السيف أو كالنور في النار

وله يهجو قوما ويمدح منهم رجلين:

ما في بني يوسف ساع لمكرمة ... سواك أو صنوك العالي أبي الحسن

كرُمْتما واغتدى باللؤم غيركما ... والشوك والورد موجودان في غصن

هذا آخر الجماعة الذين أوردهم بالذكر من الأعيان أبو نصر الفتح بن محمد القيسي الأندلسي مصنف قلائد العقيان، وسألت عنه بمصر فقيل عاش بالمغرب إلى عهد شاور بمصر فقد توفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة وقال لي بعض المغاربة: توفي قبل هذا التاريخ. وقد أتى في كتابه بكلام كالسحر رقة ودقة، وكالزلال عذوبة وصفاء، وكالخمير طربا وانتشاء، ولو نقلته على وجهه لم أكن إلا ناسخا، ولم أبد في الصنعة علما راسخا، لكنني اختصرت وصفه لكل فاضل بلفظي، ونمقته بمعنى من حفظي، وكسوت المعنى صورة أخرى، وجلوته في الحلية الحسنى، فإن فتحا قبًّح ذكر قوم ووضعهم، ونبه خاملين فرفعهم، وحاد عن الصحيح لمرضه، ووسم الحسن بالقبيح لغرضه، ومن جملة ذلك أنه ترب على أبي بكر ابن باجة، وأطلع نوره في سماء السماجة، وقد أجمع الفضلاء على أنه لم يلحق أحد مداه في زمانه، ولم يوجد شرواه في إحسانه، وقد ختم به علم الهندسة، وتداعت بموته في إقليمه مباني الحكم المؤسسة.

من جماعة ذكرهم أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي الأندلسي مؤلف قلائد العقيان في محاسن الأعيان لم نثبتهم إلا من هذا الكتاب، ولم ننظم إلا بعقودهم منه شمل الآداب.

[أبو بكر ابن عبد الصمد]

وذكره ابن بشرون في كتابه فقال: أبو يحيى ابن عبد الصمد. ذكره في آخر حديث المعتمد ابن عباد وأنه جاء إلى قبره بأغمات، بعد أن مات، وقال بعد أن طاف بقبره والتزمه، وخر على تربه ولثمه:

ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن السماع عواد

لما خلت منك القصور فلم تكن ... فيها كما قد كنت في الأعياد

أقبلت في هذا الثرى لك خاضعا ... وتخذت قبرك موضع الانشاد

قال: وه قصيدة أطال إنشادها، وبني بها اللواعج وشادها.

أبو نصر الفتح بن عبيد الله

ابن خاقان

مؤلف كتاب قلائد العقيان. وصفه الرشيد ابن الزبير في كتاب الجنان وقال: كان ذرب طية اللسان، غزير ركيًّة البيان، كأنما يغرف من بحر زاخر، أو يقطف من زهر ناضر، حسن صناعة، وسعة براعة، وله تواليف تشهد له بدارية، وتصانيف تدل على توسعه في الرواية، إلا أنه كان يضع من نفسه بشدة تبدله، وكثرة تنقله، وغضه من ذوي الرتب، وإساءة الأدب على الأدب، وتحليه من الخلاعة بما تعزف عنه نفس كل ذي عقل رصين، واشتفافه من الدنايا إلى ما لا يرضاه أهل المروءة والدين، وهو متوسع في النثر، قليل البضاعة في النظم، ولم أجد له منه ما يدخل فيما يدخل لأهل طبقته، فأما رسائله فقد أورد منها ما يغني الوقوف عليه من صفته. فمن ذلك رسالة يصف فيها نزهة وقنصا وهي:

<<  <  ج: ص:  >  >>