للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف ي بقربك ودونك كل علم باذخ، مج الليل عليه رضابه، وصافحت النجوم هضابه، قد نأى بطرفه، وشمخ بأنفه، وسال الوقار على عطفه، فهو يعبس، ولا ينبس، كأنما أطرق به اعتبار، واجتنى منه جبار، وقد لاث من غمامة عمامة، وأرسل من ربابة ذؤابة، تطرزها البروق الخواطف، وتهفو بها الرياح العواصف، بحيث مدت البسيطة بساطا، وضربت السماء فسطاطا، فلا حظ منك إلا ذكر يجري، وطيف يسري، وعسى، أن يلين من جانب الدهر ما عسى، فيجذب بضبعي جاذب من سنائك، إلى سمائك، حتى أرتقى، إلى حيث السهى، والمجرة من مجر أذيالك، ومواطيء نعالك.

ومنها في صفة قصيدة: قد كنت صنعتها، منذ الزمان الأطول فأفرعتها، وفرغت منها غير أن إرجاءها، لا يقطع رجاءها، وإمهالها، لا يوجب إهمالها، وقد استثبت مجدك في جلائها، واستنهضت سروك لزفافها وهدائها، علما أن ما أوتيته في البلاغة من امتداد عنان، وانفساح ميدان، يطلعها هنالك في ملح تترى، ويبرزها في صور من الملاحة ترى، فلا تنشرها حلة حتى تجلى عروس، ولا يسمع منها تكميل حتى يجتلى طاووي، ومعذرة في ميدان العجز عن إنصاف تلك الأوصاف، وأما والبحر من كرمك، والسحر من قلمك، إنه لينقل من قلم علم مشهور بالسياسة، وخدمة الرئاسة، من انتساب واكتساب.

ورث السيّادة كابرا عن كابر ... موصولة الأسناد بالإسناد

لا زلت تجتلي من كنف ذلك الشرف وسماء ذلك السناء بحيث تطيف النعم بك نجوما، وتنقض النقم دونك رجوما.

فصل من أخرى:

أطال الله أيها السيد بقاءك، كما وصل عزتك واتقاءك، وأسنى مرتبتك وأعلاك، كما أسنى مناقبك وجلاك، وأخلق بها من دعوة هتكت حجاب الظلماء، وقرعت باب السماء، تثبت هنالك مع التوحيد سطرا، وتكتب في ديوان القبول صدرا، فإنها من قلب كرم في مشايعتك سره حتى لست أدري أضمير، أم ماء نمير، وهل من محيد، عن هوى أروع وحيد، أرى به الفضل قد مثل صوره، والنبل قد أنزل سوره، والصبح قد تبلج باسما، والروض قد تأرج ناسما، فهنيئا لتلك الدولة الميمونة أنك علم تلك السعادة، ووسطى قلادة تلك السيادة، وآخر مملك خلع عليك نجاده، وأوطأ عقبيك أنجاده، وأتبع برأي ورايتك إنجاده، أ، تسمو أعطافه عزة، وتحتمي أطرافه نجدة، ويستقل على قدم به النصر، ويبسم عن ثغر إليه الثغر، ويطلع من تجاهه الفتح يندي جبينه عرقا، ويمينه علقا، وقد قام على قد من الرمح رطيب، وسفر عن خد من السيف خضيب، وخفق جناح العلم سرورا، ونطق لسان القلم صريرا.

فصل من رسالة أخرى: واتفق لي أن فصلت تلك العشية والأفق قد أضحى، وأبل من مرضه وصحا، وصفحة الشمس محطوطة القناع، مصقولة كمرآة الصناع، فما هممت بأن أجزع وادي الحضرة حتى طفق جفن الجو يندي، ومطرف الغمامة يتأر ويسدي، أقسمت المطي أن تخف، وبسقت السماء أن تكف، فمال بي وأقلع، وتسنم المقطع، حتى أن حكم الهواء طيشا، ورذاذ ذلك الرباب طشا، فقلت: اللهم حوالينا ولا علينا، فما كان إلا أن عدل عنا، وضرب بجرانه غير بعيد منا، والرعد نفث رقى، وغنى ما شاء وسقى، وأفضى بنا الركض إلى مصاب سمائه، ومهراق عزالي مائه، وقد عمه لثق، وعمره غدق، وصعوده زلق، وهبوطه غرق، وحسبك من وحل يقيد مطايا الركبان، ويكب الرجالة على الأذقان، فلا ترى إلا خدودا، تعفر سجودا، ويروداً تصبغ حما وسودا، فما شئت من ممسك ومزعفر، ومعنبر ومصندل ومعصفر.

وسواء نجد هناك ووهد ... وسبيل قصدته ومسيل

وقد اعتل بين ظل وصحو ... نشر تلك الصبا وذاك الأصيل

وانتشى منه كل قطر فلولا ... هضب تلك العلى لكان يميل

فسرنا، وما كدنا، بين ساحة، ومساحة، حتى شارفنا الديار وقد عبس وجه السماء، وأدركنا أدهم المساء، يسمو النشاط بطرفه، وسيل عرق الندى على عطفه، وأشقر الشفق قد جاء خلفه، ونفض على مسقط الشمس عرفه، يمرح عزة لسبقه، ويجر من نحره عنان برقه، وذكر الله ملء الصدور والأفواه، وشفاء الألسنة والشفاه، وما كنا لنعبر مسافة تلك المجابة، إلا بدعوة اتفقت هناك مجابة، ولحقنا أدهم الإظلام يخب، وتنفس عن شمال تهب، فما اجتلينا وجه الأنس إبلا بشعلة مصباح، ينوب عن غرة صباح، كأنما كرع مجاجة راح، وأطلع إلى بارقة سماح.

عدة من فضلاء الأندلس

<<  <  ج: ص:  >  >>