للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اختلف أهل العلم في مستنكر القراآت فكان بعضهم يجترئ على تخطئة المتقدمين وكان بعضهم لا يقدم على ذلك ويجعلُ لكل شيء وجهاً وإن كان بعيداً في العربية واحتج من أجاز غلط الرواة بأن الذين نقلوا كان فيهم قوم قد أدركوا زمن الفصاحة فجاؤوا بها على ما يجب وقوم سبقتهم الفصاحة ولم يكن لهم علم بقياس العربية فلحقهم الوهم الذي لا يتعرى منه ولد آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفئيدة بناء مستنكر لم يجيء مثله في الآحاد ولا في الجموع ولم يحك سيبويه ولا غيره فيما أعلم شيئاً على مثال أفعيلة بفتح الهمزة ولا على مثال أفعيل إلا ما روي في قراءة الحسن من أنه كان يفتح همزة الإنجيل وهذا في الشذوذ يشبه قراءة ابن عامر هذه والإنجيل قد وافق ألفاظ العربية فان كان له فيها حظ فقد زعموا أن اشتقاقه من قولهم استنجل الوادي إذا ظهر فيه نجلُ وهو الماء المستنقع ويجوز أن يكون اشتقاقه من النجل وهو الولد كأن هذا الكتاب ولد للكتاب المتقدمة وقد جاءت الألفاظ كلها يشبه أن يكون الإنجيل مشتقا منه لأن النجل السعة في العين فيجوز أن يكون هذا الكتاب سعة في الدين وكذلك قولهم نجلت الإبل الكمأة إذا استثارتها بأخفافها فيجوز أن يكون الانجيل استثير من العلم القديم وكل نون وجيم ولام في العربية وان أتسع ذلك لا يمتنع أن يكون اشتقاق الإنجيل منه وقيل الإنجيل الأصل وهو م جائز عليه أن يكون أعجمياً وافق ألفاظ العربيةوذلك به أشبه كما أن يعقوب اسم النبي (لا يحمل على انه مأخوذ من اليعقوب الذي هو ذكر الحجل وأما فتح الهمزة في إنجيل فمل يقول بعض الناس أنه غلظ، لأنه لا قياس له ولم ينقل مثله في الشعر الفصيح ولا الآثار الثابية. وأما أفئيدة فان أنها قرأ بها موثوق به في الفصاحة فإنها والله أعلم أفئدة في الأصل كما قرأت الجماعة ثم ريدت الياء بعد الهمزة لأن الكسرة فيها الازمة فتكون هذه الفراء مشاكلة لقراءة من قرأ فذانيك بُرهانان وزيادة الياء في أفئيدة منها في ذانيك لأن نون التثنية ليست ثابتة كثبات غيرها من حروف الاسم اذ كانت تسقط في الواحد وفي الاضافة وقد وجدنا العرب زادوا الألفات والياءآت والواوات وقد حملوا قراءة كثير إنه من يتقي ويصبر على أن الياء التي بعد القاف حدثت لتمكين الكسرة كأنه كان أنه من يتق ويصبر كقرإءة الجماعة ثم زيدت الياء لأجل الكسرة وإلى هذا الرأي ذهب الفارسي فأما المتقدمون فكانوا يحملون هذا على أنه من رد الأشياء إلى أصولها فالياء في يتقيعلى رأي من تقدم هي أصلية لأنها لام يفتعل وعلى قول الفارسي تكون زائدة وعلى هذين القولين يجرى قول الشاعر:

ألم يأتيك وإلأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد

ويقوي قراءة ابن كثير إن قراءة الجماعة اجتمعت فيها متحركات أربعة وهي التاء الثانية من يتق والقاف والواو والياء وهم يستثقلون الجمع بين متحركات في هذا العدد ولذلك لم يجئ توالي هذه العدة من المتحركات في الشعر الاعند زحاف وليس في أصل أبنيتهم أن يجتيء مثل ذلك فأما قولهم عُلبط وهو الغليظ والكثير يقال قطيع من الغنم عُلبط إذا كان كثيراُ مترا كبا وهُدَبدُ وهو العشاء في العين ويقال هو اللبن الغليظ وما كان مثلهما جاء على حذف والاصل عُلاِبطُ وهُدضابدٌ وقد زادوا الياء للزوم الكسرة في مواضع كثيرة قالوا سواعيدُ في جمع ساعدٍ وإنما المعروف سواعدُ قال التغليُّ:

وسواعيد يختلين اختلاء ... كالمغالي يطرن كل مطير

يختلين يقطعن مثل ما يختلي الزرع والمغالي السهام التي يغلي بها أي يرمى بها فهذه ضرورة وأنشد الفرآء قول زهير:

عليهن فرسان كرام لباسهم ... سوابيغ زغف لا تخرقها نبل

<<  <   >  >>