للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكأنهم قالوا أفود أو وفادٌ على مثل كعب وكعاب ثم همزوا الواو في وفاد للكسرة ثم جمعوا ثانية فكان القياس أن يقولوا آفدة، كما قالوا إناء وآنية وإهاب وآهبة ثم كرهوا أن يجيئوا بأفعلة التي للجمع في لفظ فاعلة فأخروا الهمزة، كما قالوا رآء ورأى فقالوا أفئدة ثم زادوا الياء بعد ذلك لمكان الكسرة، كما زادوها فيما تقدم ذكره وإذا جعلوا أفئيدة في معنى أفئدة جمع فؤاد فقد استغنوا عن هذا الاحتيال فى الهمزة وتغييره وتكون العلة واحدة في زيادة الياء للكسرة، وقد روى عطاء بن أبي زباح عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى أفئدة من الناس تهوي اليهم ما يدل على أنه جمع فؤاد لأنه فسر تهوي تحن وهذا هو قياس التفسير ويجوز أن يكون قوله أفئدة يراد به أصحاب الأفئدة ثم حذف كما يحذف المضاف ومثله في القرآن كثير كقوله واسأل القرية ونحوه وكقول الشاعر:

حسبت بغام راحلتي عناقاً ... وما هو ويب غيرك بالعناق

أراد بغام عناق ولو كانت أفئيدة كلمة موحدة لجاز إن يكون اشتقاقها من الأفد وهو السرعة إذ كانوا قد قالوا هو افد أي عجل، وقد افد البين أي حان قال ابن أبي ربيعة:

يا أم طلحة إن البين قد أفدا

فكان يكون معناه جماعة عجلة وهو على انه جمع لا يمتنع من مثل هذه الدعوى وكونه من إفد أقيس من كونه من الوفود لأنه إذا كان من أفد نقص رتبة في التغيير لأن الهمزة فيه غير منقلبة.

[القول في المسألتين اللتين ذكرهما النحويون]

من قولهم أزيبداً ثم يضربه إلا هو وأزيد لم يضرب إلا اياه جعل النحويون المنفصل في هذا الباب من الضمير بمنزلة الاجنبي فقالوا أزيداً لم يضربه ألا هو كما قالوا أزيداً لم يضربه إلا عمرو وهذا بين واضح لأنهم جعلوا ما قرب إلى الاسم أولى به وإذا قالوا أزيد لم يضرب الا اياه فكأنهم قالوا أزيد لم يضرب إلا عمرا فارتفاع زيد في إحدى المسالتين بفعل مضمر يفسره الفعل الذي بعده وانتصابه كذلك والتفسير فيما ظهر من الفعل وقال قوم يرفع على الابتداء ويتصل بهذه المسألة انهم لا يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضرب نفسه وقليل في كلامهم زيد ضرب اياه لانهم استغنوا بنفسه عن ذلك ولانه كان الأصل إن يتعدى فعله إلى الهاء ثم انهم رفضوه كما رفضوا غيره مما فيه لبس لانهم قالوا زيد ضربه وهم يريدون ضرب نفسه لا لتبس بقولهم زيد ضربه وهم يريدون الكناية عن غائب فينبغي أن يجرئ اياه في المسألة مجرى الاجنبي وكذلك هو لانا لو وضعنا في موضعهما أجنبيين لصلح الكلام فكنا نقول أزيد لم يضرب إلا عمراً وهذا كلام لا خلاف في حسنه وكذلك نقول أزيدا لم يضربه إلا عمرو فلا مرية في جوازه وإنما يقوى المنفصل ها هنا لأن حرف الاستثناء حال بينه وبين ما قبله فالمسألتان واضحتان ليس فيهما اشكال.

[القول في المسألة التي ذكرها أبن كيسان في كتابه المهذب]

وهو قوله هذا هذا هذا هذا أربع مرات فذكر على قول الكوفيين إن الأولى تقريبٌ والثانية مثال وهو اسم الفاعل والثالثة فعلٌ والرابعة مفعول وهذه المسالة بينة وأما قوله تقريب فهو من قرب الشيء كقولهم من كان يريد الماء، فهذا النهر، ومن كان يريد الكسوة فهذه البرودُ ومنهُ، قول جرير:

هذا ابنُ عُمي في دمشق خليفةٌ ... لو شئت ساقكم إلي قطينا

<<  <   >  >>