للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنّ هذا المعنى الذي أراده لا تدلُّ عليه عبارات البيت الثاني مَهْما تكلّفْنَا في استخراج اللّوازم الذهنيّة، لكثرة المحاذيف فيه، مع عدم وجود قرائن تدلُّ عليها، ولولا البيت الأوَّل لصَعُبَ جدّاً إدْراكُ مُرَادِه، فهُو من الإِيجاز المخلّ.

ولدى إبراز المحاذيف نقول: والعيْشُ بِجَدٍّ في ظلال النَّوْكِ خيرٌ ممن عاش عيشاً كدّاً غير محظوظٍ في ظلال العقل والرُّشد.

ومن أمثلة الإِيجاز المخلّ على ما قالوا قولُ "عُرْوةَ بْنَ الْوَرْدِ بن زيْدٍ العَبْسِي" هو شاعر جاهليّ، كان من فرسان قومه وأجوادهم:

عَجِبْتُ لَهُمْ إِذْ يَقْتُلُونَ نُفُوسَهُمْ ... وَمَقْتَلُهُمْ عِنْدَ الْوَغَى كَانَ أَعْذَرا

قالُوا: أراد إذْ يقتلونَ نُفُوسَهُمْ في السِّلْم من غَيْرِ حرب، فحذَفَ عبارة: "في السِّلْم" وهذا من الإِيجاز المخلّ.

أقول: لقد استغنى بدَلاَلَةِ الشطر المقابل، إذْ قَيَّدَ القتل الّذِى يُعْذَرُ به القتيل بأن يكون عند الوغى، أي: عند الحرب، وهذه قرينةٌ كافية لمثل هذا الحذف، قتَقَابُلُ التضاد ذو دلالة قويّة، وقرينتُه تدلُّ على المحذوف في مقابله بسهولة، وله نظائر في القرآن المجيد.

وذكروا من أمثلة الإِيجاز المخلّ قولَ الشاعر:

أَعَاذِلُ عَاجِلُ مَا أشْتَهِي ... أحَبُّ مِنَ الأَكْثَرِ الرَّائِش

الرَّائش: بمعنى المعين، والمنعش، والمغني بالمال الوفير.

يريد أن يقول: إنّ عاجل ما يشتهي مع قلّتِه أحبّ إلى نفسه من المؤجل وإنْ كان كثيراً منعشاً مغنياً.

فحذف محاذيف لا تُسْتَخرج إلاَّ بصعوبة، فهو من الإِيجاز المخلّ على ما ذكروا.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>