للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالتشبيه المعتمد على النظرة الكليّة الْمُجْمَلَة يكون غالباً من مرتبة القريب المبتذل.

إنّ النظرة الكليّة المجملة هي التي تجعل الطفل يُسَمّي الحصان إذا رآه حماراً، وقد يُسَمِّي الجمل إذا رآه حماراً، وكذلك البقرة، لأنَّ خِبْرَاتِه السَّابقات علّمَتْه شكل الحمار، وتعلّم مع ذلك أنّ اسمه حمار، فهو يرى الشكل العام للحصان والجمل والبقرة تمشي على أربع كما يمشي الحمار، فَيُسَمِّي كلاًّ منها حماراً، غير ناظر إلى الفروق الكثيرة التي تميّز كلّ نوعٍ عن الآخر.

من أجل هذا قالوا: النظرة الأولى حمقاء. ويقول العلماء بشأن من تُعْوِزُه الدقّة في أقواله وآرائه: لم يُنْعِم النظر في الأمر، ولم يُدَقِّق ولم يتأمَّلْ. أو يقولون: قال قَوْلَهُ أَوْ قَدَّمَ رأيه متعجّلاً دون أناة.

السبب الثاني: كون وجه الشَّبَه المنتزع من ركْنَي التشبيه قليل العناصر التفصيلية، سريع الْخُطُور على الأذهان في العادة.

أو كونُ المشبَّه به من الأشياء الّتي تَتَكَرَّرُ مُشَاهَدَتُها، فهي ممّا يُسَارع الذهن إلى التشبيه بها، كالشمس في الضياء والاستدارة، وكَالقَمَر في النور والحسن، وكاللَّيل في السّواد، وكالنّهار، في البياض، وكالمطر في صفة تقاطُره العام.

فمن الملاحظ أنّ الإِنسان العاديّ إذا أراد تشبيه شيء أَسْود خطر له بسرعة اللّيلُ والغراب، فيقول: هو كاللَّيل، أو كالغراب.

وإذا أراد تشبيه وجه جميل قال: هو كالقمر. وإذا أراد وصْفَ نَثْرِ النقود على جميع الناس قال: تناثرت عليهم كالمطر.

هذه تشبيهات قريبة مبتذلة، يتناولُهَا معظم الناس كما يتناولون الماء والهواء والكلأ، فليس لها قيمةٌ أدبيَّةٌ عالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>